للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اليَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ». فقد أخرجه الإمام البخاري في (كتاب الطب) (١) كما أخرجه الإمام مسلم (٢) والإمام أحمد (٣)، وقد بَيَّنَ العلماء هذا الحديث فمنهم من خَصَّصَهُ بتمر المدينة اعتمادًا على الأحاديث المقيدة بذلك، ومنهم من أطلقه، (والذي ارتضاه الأكثرون تخصيصه بعجوة المدينة)، قال ابن القيم في " زاد المعاد ": «[وَهُوَ غِذَاءٌ] فَاضِلٌ حَافِظٌ لِلصِّحَّةِ، لاَ سِيَّمَا لِمَنِ اعْتَادَ الْغِذَاءَ بِهِ ... وَنَفَعَ هَذَا العَدَدُ مِنْ [هَذَا] التَّمْرِ مِنْ هَذَا البَلَدِ مِنْ هَذِهِ البُقْعَةِ بِعَيْنِهَا - مِنَ السُّمِّ وَالسِّحْرِ، بِحَيْثُ تَمْنَعُ إِصَابَتُهُ - مِنَ الخَوَاصِّ التِي لَوْ قَالَهَا أَبُقْرَاط وَجَالِينُوسْ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الأَطِبَّاءِ، لَتَلَقَّاهَا عَنْهُمُ الأَطِبَّاءُ بِالقَبُولِ وَالإِذْعَانِ وَالانْقِيَادِ، مَعَ أَنَّ القَائِلَ إِنَّمَا مَعَهُ الحَدْسُ وَالتَّخْمِينُ وَالظَّنُّ، فَمَنْ كَلاَمُهُ كُلُّهُ يَقِينٌ وَقَطْعٌ وَبُرْهَانٌ، وَوَحْيٌ أَوْلَى أَنْ تُتَلَقَّى أَقْوَالُهُ بِالقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ، وَتَرْكِ الاعْتِرَاضِ».

«هَذَا خُلاَصَةُ مَا ذَكَرُوهُ فِي هَذَا المَقَامِ، وَالذِي أَرَاهُ أَنَّ المُبَادَرَةَ إِلَى تَكْذيبِ حَديثٍ وَرَفْضِهِ لاَ تَصِحُّ، إلاَّ إذَا وَهُنَ طَرِيقَهُ، أَوْ حَكَمَ العَقْلُ وَالطُّبُّ حُكْمًا قَاطِعًا بِتَكْذيبِهِ وَبُطْلاَنِهِ، وَهَذَا الحَديثُ قَدْ صَحَّ سَنَدُهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ عَنْ أَئِمَّةِ الحَديثِ، وَرَوَاهُ ثِقَاتٌ عُدُولٌ لاَ مَجَالَ لِتَكْذِيبِهِمْ وَمَتْنُهُ صَحِيحٌ عَلَى وَجْهِ الإِجْمَالِ، إِذْ أَثَبْتَ لِلْعَجْوَةِ فَائِدَةً، وَحَضَّ عَلَى أَكْلِهَا، وَمِنَ المُقَرَّرِ حَتَّى فِي الطُّبِّ الحَديثِ أَنْ العَجْوَةَ مُغَذِّيَةٌ، مُلَيِّنَةٌ لِلْمَعِدَةِ، مُنَشَّطَةٌ لِلْجِسْمِ، مُبِيدَةٌ لِلْدِّيدَانِ المُنْتَشِرَةِ فِيهِ، وَلاَ شَكَّ أَنَّ الأَمْرَاضَ الدَّاخِلِيَّةََ مِنْ تَعَفُّنِ الأَمْعَاءِ وَاِنْتِشارِ الدِّيدَانِ، سُمُومٌ تُودِي بِحَيَاةِ الإِنْسَانِ إِذَا اِسْتَفْحَلَ أَمْرُهَا. وَإذًا فَالحَديثُ مِنْ حَيْثُ مُعَالَجَةِ العَجْوَةِ لِلْسُمُومِ بِالجُمَلَةِ، صَادِقٌ لاَ غُبَارَ عَلَيْهِ. أَمَا السِّحْرُ فَإذَا ذَهَبْنَا إِلَى أَنَّهُ مَرَضٌ نَفْسِيٌّ، وَأَنَّه يَحْتَاجُ إِلَى عِلاَجِ نَفْسِيٌّ، وَأَنَّ الإِيحَاءَ النَّفْسِيَّ لَهُ أَثَرٌ كَبِيرٌ


(١) " صحيح البخاري بحاشية السندي ": ص ٢٠ جـ ٤.
(٢) " صحيح مسلم ": ص ١٦١٨ جـ ٣.
(٣) في " مسنده ": حديث ١٤٤٢، ١٥٢٨، ١٥٧١، ١٥٧٢ جـ ٣.