للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكتب زياد بن أبي سفيان إلى السيدة عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - يسألها عن الحاج الذي يرسل هديه، وهل يحرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر، كما أفتى ابن عباس؟ فأجابته عن هدي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقالت: «فَلَمْ يَحْرُمْ [عَلَى] رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللهُ لَهُ، حَتَّى نُحِرَ الهَدْيُ» (١).

وَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْأَلُ أَبَا رَافِعٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ مَنْ يَكْتُبُ لَهُ (٢)، وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّهُ كَانَتْ مَعَهُ أَلْوَاحٌ يَكْتُبُ فِيهَا» (٣)، وكان ابن عباس يحض على التعلم والكتابة ويقول: «قَيِّدُوا العِلْمَ بِالكِتَابِ، مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي عِلْمًا بِدِرْهَمٍ» (٤)، وكان يقول أحيانًا: «إِنَّا لاَ نَكْتُبُ فِي الصُّحُفِ إِلاَّ الرَّسَائِلَ وَالقُرْآنَ» (٥). إلا أننا نرى ابن عباس بنفسه يكتب غير الرسائل، فيملي التفسير على مجاهد بن [جبر]، ويقول له: «اكْتُبْ» (٦)، ويكتب إليه الحجاج أمير العراق يستفتيه في رجل أكره أخته، فيكتب إليه بحديث عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (٧).

وسبق لي أن ذكرت كتابة عبد الله بن عمرو بن العاص، وسنتكلم عن صحيفته بعد قليل.


(١) " الإجابة لما استدركته عائشة على الصحابة ": ص ٩٥، ٩٦، وقد قال الإمام الزهري: «أَوَّلُ مَنْ كَشَفَ الغُمَّى عَنْ النَّاسِ وَبَيَّنَ لَهُمْ السُنَّةَ فِي ذَلِكَ عَائِشَةُ ... ».
(٢) انظر ترجمة عبد الله بن عباس في " الإصابة ".
(٣) انظر " تقييد العلم ": ص ٩١، ٩٢ و ١٠٩.
(٤) " العلم " لزهير بن حرب: ص ١٩٣، و" جامع بيان العلم ": ص ٧٢ جـ ١، و" تقييد العلم ": ص ٩٢.
(٥) " العلم " لزهير بن حرب: ص ١٨٧.
(٦) انظر " تفسير الطبري " بتحقيق أحمد محمد شاكر: ص ٣١ جـ ١.
(٧) انظر " البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث ": ص ٢١٤، ٢١٥ جـ ٢، وقد ذكر هذا في سبب ورود حديث «مَنْ تَخَطَّى الحُرْمَتَيْنِ فَخُطُّوا وَسَطَهُ بِالسَّيْفِ» وهنا حرمة الزنا وحرمة الأخوة. وكان ابن عباس يفتي كتابة أَيْضًا، انظر فتواه لنجدة بن عامر في " مسند الإمام أحمد ": ص ٥٦ جـ ٤.