للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم يوجد له بعد موته إلا كتاب بالفرائض والجراحات (١)، وإذا كانت كتبه التي تركها قليلة ولا تدل على نشاطه العلمي، فإننا نعزو هذا إلى قوة حافظته، لأنه كان يعتمد على الحفظ أكثر من اعتماده على الكتابة، وهذا لا ينافي قط إملاءه لطلابه وحثهم على الكتابة. ويقول الضحاك بن مزاحم (- ١٠٥ هـ): «إِذَا سَمِعْتَ شَيْئًا، فَاكْتُبْهُ وَلَوْ فِي حَائِطٍ» كما أنه أملى على حسين بن عقيل مناسك الحج (٢).

وانتشرت الكتب حتى قال الحسن البصري (- ١١٠ هـ): «إِنَّ لَنَا كُتُبًا نَتَعَاهَدُهَا» (٣). وكان عمر بن عبد العزيز (٦١ - ١٠١ هـ) يكتب الحديث، روي عن أبي قلابة قال: «خَرَجَ عَلَيْنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِصَلاَةِ الظُّهْرِ، وَمَعَهُ قِرْطَاسٌ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا لِصَلاَةِ العَصْرِ وَهُوَ مَعَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، مَا هَذَا الكِتَابُ؟ قَالَ: " هَذَا حَدِيثٌ حَدَّثَنِي بِهِ عَوْنُ بْنُ عبْدِ اللَّهِ، فَأَعْجَبَنِي فَكَتَبْتُهُ " ... » (٤). وهذا يدل على أن الكتابة قد شاعت بين مختلف الطبقات ولم يعد أحد ينكرها في أواخر القرن الأول الهجري وأوائل القرن الثاني. وقد كثرت الصحف والكتب في ذلك الوقت حتى لنرى مجاهد بن جبر (- ١٠٣ هـ) يسمح لبعض أصحابه أن يصعدوا إلى غرفته فيخرج لهم كتبه فينسخون منها (٥).


(١) انظر " تاريخ بغداد ": ص ٢٣٢ جـ ١١.
(٢) انظر " جامع بيان العلم وفضله ": ص ٧٢ جـ ١.
(٣) " جامع بيان العلم وفضله ": ص ٧٤ جـ ١، و" العلم " لزهير: ص ١٨٩: ب.
(٤) " سنن الدارمي ": ص ١٣٠ جـ ١، وسمع من يزيد الرقاشي أحاديث عن أنس فكتبها وفرض له في الديوان، انظر " المحدث الفاصل: ص ٣: ب، جـ ٤ وسنتحدث عن خدمة عمر بن عبد العزيز لِلْسُنَّةِ وأمره بكتابتها بعد قليل.
(٥) انظر " سنن الدارمي ": ص ١٢٨ جـ ١، و" تقييد العلم ": ص ١٠٥ ونرى في " سنن الدارمي ": ص ١٢١ جـ ١ أنه كان يكره أن يكتب العلم في الكراريس، فتحمل الكراهة على أن يضاهي بهذه القرآن أو أن تؤول الكراريس إلى غير أهلها.