للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونرى أيوب السختياني (- ١٣١ هـ) يرد على من يعيب تقييد الحديث، فيقول: «يَعِيبُونَ عَلَيْنَا الكِتَابَ!! , ثُمَّ يَتْلُو {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ} [سورة طه، الآية: ٥٢]» (١).

وما لبث التياران أن تَوَحَّدَا وألحت الحاجة القاهرة إلى الكتابة على هؤلاء المانعين بأن يجاوروا التيار العام، ويعتمدوا في حفظ السنة على الحفظ والكتابة مَعًا.

يقول ابن الصلاح: «ثُمَّ إِنَّهُ زَالَ ذَلِكَ الخِلاَفُ وَأَجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَى تَسْوِيغِ ذَلِكَ وَإِبَاحَتِهِ، وَلَوْلاَ تَدْوِينُهُ فِي الكُتُبِ لَدُرِسَ فِي الأَعْصُرِ الآخِرَة» (٢).

ويقول الرامهرمزي: «وَالحَدِيثُ لاَ يُضْبَطُ إِلاَّ بِالكِتَابِ ثُمَّ بِالمُقَابَلَةِ وَالمُدَارَسَةِ، وَالتَّعَهُّدِ، وَالتَّحَفُّظِ، وَالمُذَاكَرَةِ، وَالسُّؤَالِ، وَالفَحْصِ عَنِ النَّاقِلِينَ، وَالتَّفَقُّهِ بِمَا نَقَلُوهُ وَإِنَّمَا كَرِهَ الكِتَابَ مَنْ كَرِهَ [مِنَ] الصَّدْرِ الأَوَّلِ، لِقُرْبِ العَهْدِ، وَتَقَارُبِ الإِسْنَادِ وَلِئَلاَّ يَعْتَمِدُهُ الكَاتِبُ فَيُهْمِلُهُ، أَوْ يَرْغَبُ عَنْ تَحَفُّظِهِ وَالعَمَلِ بِهِ، فَأَمَّا وَالوَقْتُ مُتَبَاعِدٌ، وَالإِسْنَادُ غَيْرُ مُتَقَارِبٌ، وَالطُّرُقُ مُخْتَلِفَةٌ، وَالنَّقَلَةُ مُتَشَابِهُونَ، وَآفَةُ النِّسْيَانِ مُعْتَرِضَةٌ، وَالوَهْمُ غَيْرُ مَأْمُونٌ، فَإِنَّ تَقْيِيدِ العِلْمِ بِالكِتَابِ أَوْلَى وَأَشْفَى» (٣).

ولم تكن ظاهرة الاختلاف هذه ناشئة عن انقسام العلماء إلى حزبين أو مدرستين، إحداهما تبيح الكتابة والأخرى تمنعها، بل نشأت من تلك الأسباب التي بيناها، فإذا ما زالت أسباب المنع أباح العلماء الكتابة، وإذا قامت عاد أكثرهم فمنع الكتابة، وإذا ما خيف من الاتكال على الكتاب وإهمال الحفظ علت أصوات المنع ثانية تطالب بالاعتماد على الذاكرة، حتى


(١) " تقييد العلم ": ص ١١٠، و" سنن الدارمي ": ص ١٢١ جـ ١، و" جامع بيان العلم ": ص ٧٣ جـ ١.
(٢) " مقدمة ابن الصلاح ": ص ١٧١.
(٣) " المحدث الفاصل ": ص ٧١.