للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أفواه العلماء، فيقول: «كَانَ هَذَا العِلْمُ شَيْئًا شَرِيفًا إِذْ كَانَ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ يَتَلَقَّوْنَهُ (١) وَيَتَذَاكَرُونَهُ، فَلَمَّا صَارَ فِي الكُتُبِ ذَهَبَ نُورُهُ، وَصَارَ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ» (٢).

ونرى بعض من كره الكتابة في هذا العصر يعتمد عليها في حفظ الحديث ثم يمحو ما كتبه بعد أن يحفظه، وقد قبل غير واحد من السلف أمثال سفيان الثوري (- ١٦١ هـ)، وحماد بن سلمة (- ١٦٧ هـ) (٣) وغيرهما، ويروى في هذا عن خالد الحذاء (- ١٤١هـ): «مَا كَتَبْتُ شَيْئًا قَطُّ إِلاَّ حَدِيثًا طَوِيلاً , فَإِذَا حَفِظْتُهُ مَحَوْتُهُ» (٤).

وكان كثير من التابعين يمحون كتبهم قبل وفاتهم، أو يوصون بكتبهم إلى من يثقون به، ليفيد منها خشية أن تقع في غير موضعها، فقد أوصى أبو قلابة بكتبه إلى أيوب (٥)، كما أوصى شعبة بن الحجاج ابنه بغسل كتبه بعد موته (٦).

إن محاولة هؤلاء المانعين من الكتابة، لم تخفف من نشاط الكتابة، ولم تقف أمام هذا الجيل الذي نشأ عليها، فقد كان تيار إباحة الكتابة أقوى بكثير من تيار كراهتها.


(١) انظر " جامع بيان العلم وفضله ": ص ٦٨ جـ ١ وفيه «يَتَلاَقُونَهُ» وما أثبتناه أصوب ويتفق مع ما ورد في المصادر الأخرى، و" سنن الدارمي ": ص ١٢١ جـ ١، و" تقييد العلم ": ص ٦٤، توفي الأوزاعي سَنَةَ (١٥٧ هـ).
(٢) انظر " جامع بيان العلم وفضله ": ص ٦٨ جـ ١ وفيه «يَتَلاَقُونَهُ» وما أثبتناه أصوب ويتفق مع ما ورد في المصادر الأخرى، و" سنن الدارمي ": ص ١٢١ جـ ١، و" تقييد العلم ": ص ٦٤، توفي الأوزاعي سَنَةَ (١٥٧ هـ).
(٣) انظر " تقييد العلم ": ص ٥٨ - ٦٠.
(٤) المرجع السابق: ص ٥٩.
(٥) انظر " طبقات ابن سعد ": ص ١٣٥ جـ ٧، و" تذكرة الحفاظ ":ص ٨٨ جـ ١، وتوفي أبو قلابة سَنَةَ (١٠٤ هـ).
(٦) انظر " تقييد العلم ": ص ٦٢، ولد شعبة بن الحجاج سَنَةَ (٨٢ هـ) وتوفي سَنَةَ (١٦٥ هـ).