للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان عبد الله يملي الحديث على تلاميذه (١)، وقد نقل عنه تلميذه حسين بن شفي بن ماتع الأصبحي في مصر كتابين، أحدهما فيه «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَذَا، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَذَا، والآخَرُ مَا يَكُونُ مِنَ الأَحْدَاثِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» (٢). ونحن هنا لم نتعرض إلا للصحيفة الصادقة، فقد كان عند ابن عمرو كتب كثيرة عن أهل الكتاب أصابها يوم اليرموك في زاملتين (٣)، وقد ادعى بشر المريسي «أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَرْوِيهِمَا لِلْنَّاسِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: لاَ تُحَدِّثْنَا عَنْ الزَّامِلَتَيْنِ»، وهذه الدعوى باطلة، فقد ثبت أن ابن [عمرو] كان أمينًا في نقله وروايته، لا يحيل ما روى عن النبي على أهل الكتاب، كما لا يحيل ما روى أهل الكتاب على النبي (٤).


(١) انظر " تاريخ دمشق ": ص ٤٩ جـ ٦.
(٢) " خطط المقريزي ": ص ٣٣٢، ٣٣٣ جـ ٢.
(٣) الزاملة هي البعير الذي يحمل عليه الطعام والمتاع. وقيل هي الدابة التي يحمل عليها الطعام والمتاع من الإبل وغيرها. انظر " لسان العرب "، مادة (زمل): ص ٣٢٩ جـ ١٣.
(٤) انظر " رد الدارمي على بشر ": ص ١٣٦، وقد ذكر محمود أبو رية صاحب كتاب " أضواء على السنة المحمدية " في الصفحة ١٦٢ هامش (٣) أن عبد الله بن عمرو (كان قد أصاب زاملتين من كتب أهل الكتاب، وكان يرويها للناس (عن النبي) فتجنب الأخذ عنه كثير من أئمة التابعين، وكان يقال له: «لا تحدثنا عن الزاملتين»: ص ١٦٦ جـ ١ " فتح الباري "). انتهى ما نقلناه عن " أضواء على السنة المحمدية ". ومن العجيب أن يسمع إنسان مثل هذا الخبر ويصدقه لأن الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - كانوا أصدق الناس لسانًا، وأنقى الأمة قلوبًا، وأخلص البرية للرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلا يعقل أن يكذب أمثال عبد الله بن عمرو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - على رسول الله فيعزو إليه ما سمعه من أهل الكتاب. فَهَرَعْتُ إلى " فتح الباري " وإذا به - شَهِدَ اللهُ - خَالِيًا من عبارة أَبِي رَيَّةَ، فليس في قول ابن حجر (مِنَ النَّبِيِّ) إنما زادها الكاتب من عنده!!!
فهل تكذيب الصحابة، والافتراء عليهم، والانتحال على العلماء، أمثال ابن حجر وغيره من الأمانة العلمية؟؟ وقد ثبت لنا سوء نية أَبِي رَيَّةَ في مواضع كثيرة يظهر بعضها في بحثنا عن أبي هريرة.