- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي عصر الصحابة والتابعين، بأدلة قاطعة لا يرقى إليها الشك، ولا يعتريها الظن. وعرفنا أن ضرورة حفظ الحديث لم تنتظر خلافة عمر بن عبد العزيز وإذنه، بل دعت إلى تدوينه قبله بكثير، وكان لعمر بن عبد العزيز شرف مساهمة الدولة في تبني هذا التدوين والإشراف عليه، وتحريك همم العلماء للجمع والتصنيف، الذي ظهرت بوادره في النصف الأول من القرن الثاني، ونضجت ثماره في المصنفات الكثيرة التي أخرجها أوائل المصنفين في مختلف بلاد الدولة الإسلامية آنذاك.
بعد هذا لن نؤخذ بما وصل إليه المستشرقون وأعلنوه من أن السُنَّةَ قد دُوِّنَتْ في عصر مبكر. ولن نقع فيما نصبه بعضهم من شراك خلف بحوثهم، وإن ظهرت بعض أبحاثهم في ثوب علمي نقي، فقد كتب جولدتسيهر فصلاً خاصًا حول كتابة الحديث في كتابه " دراسات إسلامية " أتى فيه بأدلة كثيرة على تدوين الحديث في أول القرن الهجري الثاني، وكان في الفصل الأول من كتابه «قد سرد طائفة من الأخبار، تشير إلى بعض الصحف التي دونت في عهد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكنه حاطها بكثير من التشكك في أمرها، والريبة في صحتها، وقد رمى بهذا إلى غرضين، أحدهما: إضعاف الثقة باستظهار السُنَّةِ وحفظها في الصدور، لتعويل الناس منذ القرن الهجري الثاني على الكتابة، والآخر وصم السُنَّةَ كلها بالاختلاق ولوضع على ألسنة المدونين لها، الذين لم يجمعوا سَهْمًا إلا ما يوافق أهواءهم، ويعبر عن آرائهم ووجهات نظرهم في الحياة ...
وحاول المستشرق «سوفاجيه» في كتابه " الحديث عند العرب " أن يفند المعتقد الخطأ عن وصول السُنَّةِ بطريق المشافهة وحدها، وجمع أدلة كثيرة