للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على تدوين الأحاديث والتعويل على هذا التدوين في عصر مبكر يبدأ أَيْضًا في مطلع القرن الهجري الثاني، وليس في حياة الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وغايته لا تختلف في شيء عن غاية جولدتسيهر» (١).

ويقول الدكتور صبحي الصالح: «وأما " دوزي " فَلَعَلَّهُ يخدع برأيه المعتدل كَثِيرًا من علمائنا فضلاً عن أوساط المُتَعلِّمِينَ فينا، فقد كان هذا المستشرق يعترف بصحة قسم كبير من السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ التي حفظت في الصدور وَدُوِّنَتْ في الكتب بدقة بالغة وعناية لا نظير لها " وما كان يعجب لكثير من الموضوعات والمكذوبات تَتَخَلَّلُ كُتُبَ الحديث - فتلك كما يقول طبيعة الأشياء نفسها - بل للكثير من الروايات الصحيحة الموثوقة التي لا يرقى إليها الشك، (ونصف " صحيح البخاري " على الأقل جدير بهذا الوصف عند أشد المُحَدِّثِينَ غُلُوًّا في النقد) مع أنها (٢) تشتمل على أمور كثيرة يَوَدُّ المؤمن الصادق لو لم ترد فيها (٣).

فلم يكن غرض هذا المستشرق خَالِصًا للعلم والبحث المُجَرَّدِ حين مال إلى الاعتراف بصحة ذلك النصيب الكبير من السُنَّةِ، وإنما كان يُفكِّرُ أَوَّلاً وَآخِرًا بما اشتملت عليه هذه السُنَّةُ الصَّحِيحَةُ، من نظرات مُسْتَقِلَّةٍ في الكون والحياة والإنسان، وهي نظرات لا يدرأ عنها استقلالها النقد والتجريح لأنها لم تنبثق من العقل الغربي المعجز، ولم تُصَوِّرْ حياة الغرب الطليقة من كل قيد!» (٤)


(١) انظر هذا البحث في " علوم الحديث ومصطلحه " للدكتور صبحي الصالح: ص ٢٣ - ٣٠ وما أشرنا إليه في الصفحة: ٢٤، ٢٥.
(٢) أي الروايات الصحيحة.
(٣) أشار الدكتور صبحي الصالح في هامش الصفحة ٢٦ إلى أن: «عِبَارَةَ دُوزِي فِي الأَصْلِ أَوْقَحُ مِنْ أَنْ نُورِدَهَا عَلَى حَالِهَا»، وأحال إلى الأصل بالفرنسية.
(٤) " علوم الحديث ومصطلحه " للدكتور صبحي الصالح: ص ٢٦.