ما يثبت دعواهم، ليحتجوا بصحة ما لديهم من أحاديث في خلافاتهم الفقهية، أراد جولدتسيهر أن يصور علماء الأمة ومفكريها، حزبين متعصبين لآرائهم، يستجيزون الكذب في سبيل ذلك!! فساء ما تصوره وبئس ما انتهى إليه.
وقد قيض الله لكتاب " تقييد العلم " أن ينشر في دمشق، ويحقق تحقيقًا علميًّا دقيقًا، على يدي الدكتور يوسف العش، الذي درس أخباره دراسة عميقة، ثم قدم للكتاب المذكور بتصدير علمي قيم، كشف فيه عن خطأ جولدتسيهر في رأيه حين قال:«إن من ادعى عدم جواز الكتابة هم أهل الرأي، وأن مخالفيهم هم من أهل الحديث» - قال الدكتور العش: «فالخلاف لم يكن بين هاتين الفئتين، لأن من أهل الرأي من امتنع عن الكتابة كعيسى بن يونس (- ١٨٧ هـ) وحماد بن زيد (- ١٧٩ هـ) وعبد الله بن إدريس (- ١٩٢ هـ)، وسفيان الثوري (- ١٦١ هـ)، وبينهم من أقرها كحماد بن سلمة (- ١٦٧ هـ)، والليث بن سعد (- ١٧٥ هـ) وزائدة بن قدامة (- ١٦١ هـ) ويحيى بن اليمان (- ١٨٩ هـ)، وغيرهم. ومن المحدثين من كره الكتابة كابن علية (- ٢٠٠ هـ) وهُشيم بن بشير (- ١٨٣ هـ)، وعاصم بن ضمرة (- ١٧٤ هـ) وغيرهم، ومنهم من أجازها كبقية الكلاعي (- ١٩٧ هـ) وعكرمة بن عمار (- ١٥٩ هـ)، ومالك بن أنس (- ١٧٩) وغيرهم» (١).
بهذه البراهين القوية نقض الدكتور يوسف العش رأي جولدتسيهر وقوض
(١) " تقييد العلم ": ص ٢١، ٢٢ وانظر مقالة الدكتور العش في مجلة " الثقافة " المصرية " العدد ٣٥٣، السَنَةُ السابعة، الصفحة: ٩، ١٠.