للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كل ما بناه على رأيه من صور وهمية، وبين بعد البحث والتأمل «أنْ ليس من أوصاف مشتركة تُوَحِّدُ بين أصحاب إحدى الطائفتين، فليس الفريقان حزبين اتفق أفرادهما في الرأي، واستعدُّوا لخوض المعركة متضامنين، يناصر بعضهم بعضًا، وإنما تَمَسَّكُوا برأيهم عن عقيدة نفسية، أو عن ميول شخصية، أو عن ذوق خاص، أو عن عادة مُسْتَحْكَمَةٍ، وعندنا أَنَّ الطائفتين المُتخاصمتين مُتَّفِقَتَانِ بِالغَايَةِ، ولو أنهما تشاحنتا في القول، فكلتاهما تبغي الدفاع عن العلم والتقدُّم» (١).

بعد تلك الأخبار عن التدوين، وحرص الأمة على سلامة الحديث النبوي، لا يمكننا أن نسلم بما ذهب إليه المستشرقون، وخاصة بعد أن ظهر أمرهم على ضوء ما بيناه، فالسنة حفظت منذ عهد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصدور، وقيد بعضها في الصحف، وكانت محل اعتناء المسلمين في مختلف عصورهم، فتناقلوها جيلاً بعد جيل حفظًا ودراسة بالمشافهة والكتابة، واجتهدوا وسعهم لحفظ الحديث بأسانيده في مصنفات ومسانيد تكفل لأهل العلم معرفة القوي من الضعيف، خشية تسرب الكذب إلى حديثه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم اجتهد كبار العلماء في جمع الحديث الصحيح على أسلم قواعد التثبت العلمي، فرحلوا في طلب ذلك، وسمعوا بأنفسهم، وتثبتوا وسعهم، وكتبوا بأيديهم، فظهرت الكتب المجردة من الضعيف وأجمعت الأمة الإسلامية - التي فهمت الإسلام واتخذته سبيلها في مختلف وجوه حياتها - على صحة " صحيح البخاري " و" صحيح مسلم "، فإذا اعترف المستشرقون ببعض الحقيقة العلمية، وأقروا جانبًا مما أثبتته المصادر الإسلامية، فلا يجوز لنا على أي حال أن نقبل ما ذهبوا إليه من طعن في


(١) مجلة " الثقافة " المصرية: العدد ٣٥٣، السَنَة السابعة، الصفحة ١٠.