كما أن واصل بن عطاء زعيم المعتزلة يشك في عدالة عَلِيٍّ وَبَنِيهِ، وابن عباس وطلحة والزبير وعائشة، وكل من شهد حرب الجمل من الفريقين، ولذلك قال: «لو شهد عندي عَلِيٌّ وطلحة على باقة بقل لم أحكم بشهادتهما، لعلمي بأن أحدهما فاسق ولا أعرفه بعينه»، فشك في عدالة عَلِيٍّ وطلحة، والزبير، مع شهادة النبي - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - لهؤلاء الثلاثة بالجنة، ومع دخولهم في بيعة الرضوان، وفي جملة الذين قال الله تعالى فيهم: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [سورة الفتح، الآية: ١٨]. وقد كان أبو الهذيل العلاف والجاحظ، وأكثر القدرية في هذا الباب على رأي واصل بن عطاء فيهم. انظر " الفرق بين الفرق " لعبد القاهر بن طاهر البغدادي: ص ٣٠٤ - ٣٠٧ وانظر [" تأويل مختلف الحديث "]: ص ٢١ - ٣٧ وما بعدها. وأما الخوارج فقد كَفَّرُوا عَلِيًّا وابنيه، وابن عباس، وأبا أيوب الأنصاري، وَكَفَّرُوا عثمان وعائشة وطلحة والزبير، وَكَفَّرُوا كل من لم يفارق عَلِيًّا ومعاوية بعد التحكيم. وأما الزيدية منهم، فالجارودية منهم يُكَفِّرُونَ أبا بكر وعمر وعثمان وأكثر الصحابة، وكذلك السليمانية والبشرية. وأما الإمامية منهم فقد زعم أكثرهم أن الصحابة ارتدت بعد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سوى عَلِيٍّ وابنيه ومقدار ثلاثة عشر منهم. وزعمت الكاملية منهم أن عَلِيًّا أَيْضًا ارتد وكفر بترك قتالهم. (" الفرق بين الفرق ": ص ٣٠٧، ٣٠٨). أقول: «هذا وهم واتباع لهوى فاسد لا يقول به من عرف للصحابة قدرهم وبذلهم ومكانتهم وإن كل ما جرى بينهم في الفتنة من باب الاجتهاد، وإن لمن اجتهد وأصاب أجرين ولمن أخطأ أجر، فلا سبيل لأحد أن يحط من قدرهم، ويطعن في عدالتهم». ثم نقول: «كيف يكون الرافضة والخوارج والقدرية والجهمية، والنجارية، والبكرية، والضرارية موافقين للصحابة؟ وهم بأجمعهم لا يقبلون شيئًا مما رُوِيَ عن الصحابة في أحكام الشريعة لامتناعهم من قبول روايات الحديث والسير والمغازي، من أجل تكفيرهم لأصحاب الحديث الذين هم نقلة الأخبار والآثار ورواة التواريخ والسير ... ولم يكن بحمد الله وَمَنِّهِ في الخوارج ولا في الروافض ولا في الجهمية ولا في القدرية ولا في المجسمة ولا في سائر أهل الأهواء الضالة قط إمام في الفقه، ولا إمام في رواية الحديث». (" الفرق بين الفرق ": ص ٣٠٨). (١) " ابن حزم: حياته وعصره وآراؤه الفقهية " لأبي زهرة: ص ٢٥٩.