وإذا كان المؤلف يعجب من تحمل أبي هريرة هذه الأحاديث الكثيرة عن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلال ثلاث سنوات، فقد غاب عن ذهنه أنَّ أبا هريرة صاحب الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سنوات ذات شأن عظيم، جرت فيها أحداث اجتماعية وسياسية وتشريعية هامة، وفي الواقع أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ تَفَرَّغَ تلك السنوات للدعوة والتوجيه بعد أَنْ هادنته قريش، ففي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وما بعدها انتشرت رسله في الآفاق ووفدت إليه القبائل من جميع أطراف جزيرة العرب. وأبو هريرة في هذا كله يرافق الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، ويرى بعينيه، ويسمع بأذنية، ويعي بقلبه.
ثم إنَّ ما رواه لم يكن جميعه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل روى عن الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - ورواية بعض الصحابة عن بعضهم مشهورة مقبولة لا مأخذ عليها، فإذا عرفنا هذا زال العجب العجاب الذي تصوره مؤلف كتاب " أبو هريرة " وغيره.
ومن الخطأ الفاحش أَنْ يُقَارَنَ الخلفاءُ الراشدون وأبو هريرة في مجال الحفظ وكثرة الرواية، لأسباب كثيرة أهمها:
١ - صحيح أنَّ الخلفاء الأربعة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - سبقوا أبا هريرة في صُحْبَتِهِمْ وإسلامهم، وَلَمْ يُرْوَ عنهم مثل ما رُوِيَ عنه. إلاَّ أنَّ هؤلاء اهْتَمُّوا بأمور الدولة وسياسة الحكم، وأنفذوا العلماء وَالقُرَّاءَ والقضاة إلى البلدان، فَأَدُّوا الأمانة التي حملوها، كما أدى هؤلاء الأمانة في توجيه شؤون الأُمَّةِ. فكما لا نلوم خالد بن الوليد على قِلَّةِ حديثه عن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لانشغاله بالفتوحات لا نلوم أبا هريرة على كثرة حديثه لانشغاله بالعلم، وهل لأحد أنْ يلوم عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أو عبد الله بن عباس لأنهما لم يحملا