للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى النتيجة الآتية حيث يقول: «والحق أنَّ أبا هريرة إنما اعترف لعبد الله في أوائل أمره بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين لم يكن مُفْرِطًا هذا الإفراط الفاحش، فإنه إنما تفاقم إفراطه وطغى فيه على عهد معاوية حيث لا أبو بكر ولا عمر ولا عَلِيٌّ ولا غيرهم من شيوخ الصحابة الذين يخشاهم أبو هريرة» (١).

من الغريب أنْ يعجب الكاتب لكثرة حديث أبي هريرة، ومن العجيب أَنْ يثير هذا في القرن العشرين!! فهل يعجب من قوة ذاكرة أبي هريرة أنْ تجمع (٥٣٧٤) حَدِيثًا؟ أم يعجب أنْ يحمل هذه الكثرة عن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلال ثلاث سنوات؟.

إذا كان يعجب من قوة حافظة أبي هريرة فليس هذا مجالاً للدهشة والطعن، لأنَّ كثيرًا من العرب قد حفظوا أضعاف أضعاف ما حفظه أبو هريرة، فكثير من الصحابة حفظوا القرآن الكريم والحديث والأشعار، فماذا يقول المؤلف في هؤلاء؟ ماذا يقول في حفظ أبي بكر أنساب العرب؟ وعائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - شعرهم؟ وماذا يقول صاحبنا في حماد الراوية الذي كان أعلم الناس بأيام العرب وأشعارها وأخبارها وأنسابها ولغاتها؟ وماذا يقول فيه إذا علم أنه روى على كل حرف من حروف المعجم مائة قصيدة كبيرة سوى المقطعات، من شعر الجاهلية دون الإسلام (٢)؟ وماذا يقول في حفظ حبر الأمَّة عبد الله بن عباس؟ وحفظ الإمام الزهري والشعبي وقتادة بن دعامة السدوسي؟ فحفظ أبي هريرة ليس بِدَعًا وليس غريبًا وخاصة إذا عرفنا أنَّ تلك الأحاديث الـ (٥٣٧٤) مروية عنه ولم تسلم جميع طرقها. فأبو هريرة لا يتهم في حفظه وكثرة حديثه من هذا الوجه.


(١) انظر " أبو هريرة " لعبد الحسين: ص ٥٥ وما بعدها.
(٢) انظر " الأعلام ": ص ٣٠١ جـ ٢.