للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن أعداء السُّنَنِ يأبون أن يذكروا مثل هذه الرواية التي تُقَوِّضُ مَا يَبْنُونَ، وتأتي على أساس ما يَدَّعُونَ، فَلَمْ يُكَذِّبْ الصَّحَابَةُ أبا هريرة ولم يتهموه، وإن موقف ابن عباس منه وابن عمر والزبير ومروان بن الحكم وغيرهم لا يعدو موقف المُتَثَبِّتِ المُتَوَخِّي لِلْحَقِّ، ولا يقصر عن موقف العالم النزيه وقد ثبت - فيما سبق - ثناء الصحابة والعلماء عليه، فهل يعقل أن يطعنوا فيه تارة ويثنوا عليه أخرى!؟؟ (١).

ومع هذا فإن بعض الكُتَّابِ والمؤلفين أمثال عبد الحسين وأبي رية لم يأبهوا بكل هذا، واستنتجوا من تلك المناقشات العلمية كذب أبي هريرة، حتى إن عبد الحسين رأى فيما دار بين أبي هريرة والصحابة دليلاً قاطعًا على تجريحه، فقال: «وناهيك تكذيب كل من عمر وعثمان وعلي وعائشة له، وقد تَقَرَّرَ بالإجماع تقديم الجرح على التعديل في مقام التعارض، على أنه لا تعارض هنا قطعًا ... » (٢) أي تكذيب هذا؟ وأي تجريح بعد أن عرفنا حقيقة موقف الصحابة من أبي هريرة؟ فهل ندع هذه الأدلة الصحيحة، التي تثبت إجلال الصحابة له، واحترامهم إياه، وروايتهم عنه ونقبل ادعاءات واهية لا تقوم على دليل أو برهان؟

ثم إن تحامل أعداء أبي هريرة واضح جِدًّا، فقد اتهموه بالتتلمذ على كعب الأحبار لروايته بعض الأحاديث التي وافقه عليها كعب، وأنكروا عليه إنكارًا شديدًا، عِلْمًا بأنه لم يتفرد بروايتها، فَلِمَ يقفون منه هذا الموقف ولا يقفونه من غيره من الصحابة الذين رَوَوْا ما رواه أبو هريرة؟


(١) انظر كتابنا " أبو هريرة راوية الإسلام " حيث تفصيل ما دار بينه وبين الصحابة، الفصل الثاني تحت عنوان (هَلْ كَانَ الصَّحَابَةُ يُكَذِّبُونَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَيَرُدُّونَ أَحَادِيثَهُ؟) (*).
(٢) " أبو هريرة " لعبد الحسين: ص ٢٧٩.