يترك جانبًا عظيمًا من اللغة العربية، ذلك لأنَّ بعض ما جاء في السُنَّةِ من ألفاظ وعبارات، إنما جاء على نَسَقِ وَسُنَنِ ما حكاه القرآن الكريم من عبارات سِيقَتْ من باب المجاز لا من باب الحقيقة، تخاطب الإحساسات النفسية والنفوس البشرية لِتَتَصَوَّرَ عظمة ما يمثله القرآن الكريم من الثواب والعقاب ... لذلك وجب علينا أنْ نصرف الألفاظ والعبارات التي لا تطابق الحقيقة إلى المجاز، فللعدد معنى خاص لا يتناول غيره، وقد أجمع المُفَسِّرُونَ على أَنَّ بعض ما ذُكِرَ من الأعداد في القرآن الكريم إنما جاء للتكثير لا للحصر، وكذلك ما جاء في السُنَّةِ - في مثل هذا المقام - من العبارات الكثيرة التي لا تتناول حقيقة العدد. وهنا إنما ورد للتكثير وبيان اتساع ذلك الظل الذي أَعَدَّهُ اللهُ تعالى للمؤمنين، فمن الخطأ أَنْ يجعل المؤلف الحقيقة والواقع مِيزَانًا لتلك الألفاظ التي وردت من باب المجاز، لأنه في ذلك سيجانب القواعد المُسَلَّمَةَ في اللغة، ويقع معها في أخطاء فادحة، لاَ يُقِرُّهُ عليها أحد، ويلزم من هذا عدم فائدة الاستعارات والكنايات، والمجازات العقلية، التي تُشَكِّلُ جَانِبًا عَظِيمًا في تراثنا الأدبي، ما دام المؤلف سيصرف كل لفظ إلى حقيقته!!.
وقد سبق أن ذكرت ثناء الصحابة والعلماء على أبي هريرة، وأكرر هنا قول الحافظ الذهبي فيه، ليكون رَدًّا قَاصِمًا لأهل الأهواء -: «وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَثِيقَ الحِفْظِ، مَا عَلِمْنَا أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي حَدِيثٍ»(١).
وهكذا نجا أبو هريرة من تلك الأعاصير التي عصفت حوله، ومن تلك الأمواج التي تلاطمت على قدميه. فبقي صَامِدًا لها، وانهار ما ادعاه أعداؤه أمام الصرح الشامخ الذي يحمي عدالته، وتحطمت سهامهم الواهية على الحصن