عملا بقول المسيح:«من ثمارهم تعرفونهم» ، فإننا نجد لهؤلاء المعلمين الربّانيين، والأنبياء والمرسلين تلاميذ ومهتدين، فالواحد منهم يكون له عشرة تلاميذ، وآخر منهم يكون له عشرون تلميذا، ونرى لبعضهم ستين، أو سبعين، ومئة أو مئتين، وألفا أو ألفين، ونادرا ما يكون لأحد الأنبياء من التلاميذ والأصحاب ما يبلغ خمسة عشر ألفا. أما المدرسة الأخيرة من مدارس النبوّة، وهي مدرسة خاتم النبيين محمد صلّى الله عليه وسلم، فقد كان تلاميذها يعدون بمئات الألوف.
وإذا أردت أن تعلم من هم تلاميذ المدارس النبوية الآخرى؟ ومن أين جاؤوا إليها؟ وفي أيّ البلاد ولدوا؟ وما مبلغهم من العلم؟ ثم كيف كانت أخلاقهم؟ وكم أخذوا من أخلاق نبيهم وشمائله؟ وكم كان تأثير تعليم نبيهم فيهم؟ وما هي سيرتهم وهداهم؟ وكم صلحت أعمالهم بإصلاح رسولهم لهم؟ فإنك لن تجد لأسئلتك هذه أجوبة عليها إلا فيما يتعلق باخر مدارس النبوّة، فإنك تجد لها جوابا على كلّ سؤال من هذه الأسئلة كلّها بالتفصيل، وتستطيع أن تقيد في دفترك أسماء تلاميذ هذه المدرسة، وأماكن ميلادهم، ووصف ما تعلموه منها، ومبلغ تأثرهم بأخلاق نبيهم، ومعرفتهم بأحواله وشؤونه- كلّ ذلك تجده مسجلا، مدوّنا، مضبوطا بوضوح وجلاء.
وهلم بنا نعرّج على جهة أخرى: إنّ جميع أصحاب الملل والنّحل يدّعون أنّ أبوابهم مفتحة للجميع. فتعالوا نر من منهم كانت دعوته عامة لجميع الناس، وأبوابه مفتحة لمختلف الأمم والطوائف البشرية بلا استثناء. ومن منهم كانت حلقته في عهده مقصورة على رجال من أمة واحدة، وعلى طائفة خاصّة من تلك الأمّة. إنّ جميع أنبياء بني إسرائيل لم تتجاوز دعوتهم بلاد العراق، أو بلاد الشام، أو بلاد مصر، أي أنّهم لم يخرجوا من الأرض التي كانوا يسكنونها، ولم يوجهوا دعوتهم إلا لأمتهم من بني إسرائيل. ولذلك لا ترى في مدارس عيسى عليه السلام رجلا غير إسرائيلي، لأنه إنما كان ينشد الغنم الضالة من بني إسرائيل «١» وإنما اقتصر