للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرآن إلا وقد بينه الرسول للناس بقوله، وعمله، وخلقه هديا وسمتا.

جاء بعض الصحابة إلى أم المؤمنين عائشة يسألونها أن تصف لهم أخلاق الرسول، وتصرفاته، فأجابتهم: ألم تقرؤوا القرآن الكريم؟ لقد كان خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلم القرآن «١» .

فايات القرآن، وسوره أصوات وكلمات، وعمل الرسول وخلقه معانيها وتفسيرها، وليس في الدنيا إنسان أكثر علما بالرّجل من حليلته، فهي التي تعلم من فضائل زوجها، وأخلاقه، وعاداته ما لا يعلمه أحد غيره، ولما ادّعى الرسول النبوة كان قد مضى على زواجه بخديجة خمسة عشر عاما، وهذه مدّة تكفي المرء أن يعرف أحوال صاحبه، وأخلاقه، وعاداته معرفة تامّة، فحين سمعت خديجة أنّ محمدا صلّى الله عليه وسلم نزل عليه الوحي؛ بادرت بتصديقه، وآمنت به، بل إنّ الرسول حين فزع من نزول الوحي عليه، ومجيء الملك إليه- لأنه لم يعهد ذلك من قبل- هدّأت خديجة جأشه، وربطت على قلبه، وخففت عنه ما يلقاه، وقالت له:

كلّا، والله! ما يخزيك الله أبدا، فإنّك تصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتنصر المظلوم، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ «٢» ، وهذا الذي ذكرته خديجة هو الذي يتحلّى به الرّسول من مكارم الأخلاق، وفضائل النفس قبل أن يوحى إليه.


(١) أخرج مسلم عن سعد بن هشام- رضي الله عنه- قال: سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها- فقلت: أخبريني عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلم! فقالت: أما تقرأ القرآن؟! قلت: بلى، فقالت: «كان خلقه القرآن» [مسلم (١٧٣٩) ] . أرادت بذلك على ما قيل: إنّ ما في القرآن من المكارم كلّه كان فيه صلّى الله عليه وسلم، وما فيه من الزجر عن سفساف الأخلاق كان منزجرا به عليه الصلاة والسلام، لأنه المقصود بالخطاب بالقصد الأول كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ الآية، قال المرصفي: أرادت بقولها: كان خلقه القرآن: تخلّقه بأخلاق الله تعالى لكنّها لم تصرّح بها تأدّبا منها. (شرح حياة الصحابة، للشيخ محمد إلياس الباره بنكوي، ص ٦، الجزء الثالث) .
(٢) رواه البخاري في كتاب بدء الوحي، وهذا بعض الحديث.

<<  <   >  >>