للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنّ هذا كلّه لرجل سبق منه قبل إسلامه أن قاتل المسلمين وآذاهم، بل هو ابن الذي ألقى على رسول الله صلّى الله عليه وسلم سلى جزور، والذي همّ أن يهجم عليه، وهو يصلي في المسجد الحرام، والذي همّ أن يخنقه بالرداء، والذي أشار في دار الندوة بقتل حامل هذه الرسالة الإلهية إلى الإنسانية، والذي أوقد نار الحرب بساحة بدر، وكاد للإسلام المكايد، ولم يقبل الصلح. هذا ابن ذلك العدو الألدّ، ولم يكن هذا الولد قد اعتزل أباه، بل شاركه في جميع فعلاته، فلما قدم على النبي صلّى الله عليه وسلم وهو في أوج قوّته هشّ له، وبشّ، ورحّب به، واستقبله بوجه طلق، وصدر رحب.

وهبار بن الأسود «١» هو الذي كان في الحقيقة قاتل زينب بنت الرسول صلّى الله عليه وسلم، وله فعلات أخرى، وجرائم شتّى، وقد خالف المسلمين أشدّ الخلاف، فلما فتح الله مكة لنبيه أهدر صلّى الله عليه وسلم دمه، فأراد هبار أن يهرب إلى فارس، ثم عدل عن ذلك، وبدا له أن يحضر مجلس الرسول صلّى الله عليه وسلم، فلما جاءه قال: يا رسول الله! كنت هممت أن أفرّ إلى بلاد فارس، لكنني تذكرت عفوك العام، وصفحك الشامل، فجئتك معترفا بجميع ما بلغك من ذنوبي، فلما سمع النبي صلّى الله عليه وسلم اعترافه، شمله بعفوه الذي وسع أعداءه جميعا، وفتح له باب رحمته الذي ما زال مفتوحا للجميع.

وعمير بن وهب «٢» تامر على قتل النّبيّ صلّى الله عليه وسلم مع صفوان بن أمية بعد وقعة بدر، فخرج إلى المدينة يترصّد النبيّ صلّى الله عليه وسلم، ومعه سيف مسموم، فوقع


(١) هو هبار بن الأسود بن المطلب بن أسد العزى، هو الذي عرض للسيدة زينب بنت الرسول صلّى الله عليه وسلم وهي تركب الهودج من مكة إلى المدينة فنخس بها البعير حتى سقطت، وأسقطت جنينها، وتوفيت في النهاية من جراء هذه الصدمة. هجا الأسود النبيّ صلّى الله عليه وسلم قبل إسلامه، وقد أسلم فيما بعد وحسن إسلامه. توفي بعد ١٥ هـ.
(٢) هو عمير بن وهب بن خلف الجمحي، أبطأ في قبول الإسلام، لكن بعد إسلامه كان من الشجعان، شهد مع المسلمين أحدا وما بعدها، توفي بعد سنة ٢٢ هـ.

<<  <   >  >>