للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أسيرا بأيدي المسلمين، وثبتت عليه جرائمه، فخلّى النبيّ صلّى الله عليه وسلم سبيله، ولم يمسه بسوء.

وكان صفوان بن أمية «١» لما تامر مع عمير بن وهب على حياة النبي صلّى الله عليه وسلم، وحرّض عميرا على إتمام هذه الجريمة تعهّد لعمير بأن يعول عياله، ويقضي عنه ديونه لو أنه هلك في هذه المغامرة، فلما فتح الله مكة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلم فرّ صفوان هاربا من مكة إلى جدة ليركب منها البحر إلى اليمن، فجاء عمير إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم يخبره بذلك، فأعطاه النبي صلّى الله عليه وسلم الأمان لصفوان، فطلب عمير من النبي صلّى الله عليه وسلم أمارة على أمان صفوان فأعطاه عمامته، فلما لقي عمير صفوان، وألحّ عليه بالرّجوع أبدى له الخوف على نفسه، فذكّره عمير بما كان من النبيّ صلّى الله عليه وسلم لما وقع في أسر المسلمين، وحدّثه بما جبل عليه النبيّ صلّى الله عليه وسلم من كرم النفس، وسعة الصّدر، وسجاحة الخلق، وعظيم العفو، فانقاد له صفوان، وذهب إلى المدينة، فلما حضر مجلس النبي صلّى الله عليه وسلم؛ قال له: بلغني أنّك قد أعطيتني الأمان، فهل هذا حقّ؟

فأجابه صلّى الله عليه وسلم: نعم. فقال للنبيّ صلّى الله عليه وسلم: لست داخلا بيتك حتى تمهلني شهرين، فأجابه: لقد أمهلتك أربعة أشهر. ولم تنقض تلك المدة حتى صلح حال صفوان، وتغيّر قلبه، ودخل في الإسلام.

ولما فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلم خيبر معقل اليهود العظيم، وحصنهم المنيع، صنعت يهودية طعاما ودعت إليه النّبي صلّى الله عليه وسلم، فأجاب دعوتها: فقدّمت له لحما مسموما، فلما تناول منه؛ أعلمه الله بذلك، فأمسك يده عنه، ودعا باليهودية، فسألها عن الشاة المسمومة، فاعترفت بجريمتها، وقد بلغ من حلم رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن تجاوز عنها ولم يؤاخذها على ذلك بسوء، وبقي مدة حياته صلّى الله عليه وسلم يشعر بأثر ذلك السّم.

وتقدّم آنفا أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم عند منصرفه من نجد استظلّ في الهاجرة


(١) هو صفوان بن أمية بن خلف بن وهب الجمحي، صحابي، فصيح، جواد، كان من أشراف قريش في الجاهلية والإسلام، أسلم بعد الفتح، وكان من المؤلفة قلوبهم، شهد اليرموك، وتوفي بمكة سنة ٤١ هـ وله ١٣ حديثا مرويا.

<<  <   >  >>