للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بشجرة، وعلّق فيها سيفه، ثم ساوره النوم، وقد ابتعد عنه الصحابة، وتفرقوا لحاجاتهم؛ إذ جاءه أعرابيّ من المشركين كان يرصده، فأخذ السيف، واخترطه، ودنا من الرسول، فاستيقظ صلّى الله عليه وسلم، فقال له الأعرابيّ:

من يعصمك مني؟ فقال له الرسول وقلبه مطمئن وجأشه رابط: الله! فلما سمع المشرك هذا الجواب الذي لم يكن يرتقبه تأثر، وأغمد السيف، وفي غضون ذلك رجع بعض الصحابة والأعرابيّ لابث لم ينصرف، فلم يتعرض له الرسول، ولم يعاقبه على ما كان همّ به. وكذلك وقع في أسر المسلمين أعرابيّ كان راصدا لقتل الرسول، فلما أحضر إليه صلّى الله عليه وسلم ذعر الأسير، فسكّن الرسول روعه وخفف عنه وقال له: لو أردت قتلي؛ ما قدرت عليه.

وقبض المسلمون على ثمانين من المشركين يوم فتح مكة، وكانوا ممّن يحرصون على قتل الرسول، فلما بلغه أمرهم؛ أمر بتخلية سبيلهم، ولم يمسسهم بسوء.

إخواني! إنكم تعلمون الطائف وأهلها، وكيف قابلوا الرسول بالشرّ والأذى أيام كان في مكة يعاني صنوفا من المصاعب والمعضلات، إنّ أهل الطائف لما عرض عليهم الرسول نفسه ليجيروه؛ جبهوه، وردّوه أقبح ردّ، ولم يصغوا إلى دعوته، إنّ سيد الطائف ورئيسها عبد ياليل «١» استهزأ به هو وعشيرته، وأغرى به طغام أهل الطائف، وسفلتها؛ ليسخروا منه، فلما مر بالطريق وقد اصطفوا صفّين رموه بالحجارة، فجرحت قدماه، وسالت منهما الدّماء على حذائه، وكان صلّى الله عليه وسلم كلما جلس يستجمّ من التعب يمنعونه من الجلوس، وإذا مرّ بهم يرجمونه بالحجارة «٢» . وإن ما لقيه من أذى أهل


(١) هو عبد ياليل الثقفي، الّذي كان قد أرسل العبيد والغلمان خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الطائف ليرموه بالحجارة، يحضر في النهاية إلى المدينة، ومنها حمل إلى قومه جواهر الإيمان واليقين.
(٢) ولكن قلب الرسول صلّى الله عليه وسلم كان مملوآ بحب الله وعظمته بعد ما كابد في هذا السفر من الأذى والألم، فدعا الله بالكلمات التالية: «اللهمّ إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين! أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ-

<<  <   >  >>