للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سادتي: لقد حدّثتكم عن الطبقة العليا من بني آدم، ممّن يظنّ بهم أنّهم معقد الرّجاء في إصلاح الحياة الاجتماعية وتوجيهها نحو الإرشاد. وقد علمتم من أحوالهم وسيرهم كيف خابت فيهم الآمال، وأخفق الرجاء.

والحقّ أنّ كلّ خير ترون له أثرا في بقعة من بقاع الأرض، وكلّ نور يومض «١» في أيّة أمّة حتى لو كان ضئيلا، وكلّ إثارة من صلاح، أو كرم خلق، أو صفاء سريرة وطهارة قلب، فإن ممّا لا ريب فيه أن مردّه في الأصل إلى رسالات الله، أي إلى هداية النبيين عليهم السلام. فإذا وقعت أنظاركم في بقعة من أرض الله على مظهر من مظاهر العدل يسود الناس، أو رحمة في قلوب طائفة يتبادلونها بينهم، أو وجدتم فئة تتعامل بالتواسي ويساعد أيسارهم ذوي فاقتهم، وأقوياؤهم المظلومين منهم، وأهل العافية فيهم يغيثون الملهوفين، ويطعمون الأيتام، ويعولون الأيامى؛ فاعلموا جازمين غير مرتابين بأنّ هذه الفضائل من آثار تعاليم تلك الطائفة الطاهرة التي تسمّى «الأنبياء» صلاة الله وسلامه عليهم. وذلك لأنّ أقطار الأرض كلّها- على سعتها- قد بلغتها دعوة الأنبياء، وطرقت مسامع أهلها سنن هدايتهم، وأحكام تشريعهم، وحكمة رسالتهم، وما من أمّة إلّا وقد أرسل الله فيها رسله منذرين ومبشرين وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ [فاطر: ٢٤] وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ [الرعد: ٧] ولولا الأنبياء لتهارج الناس كالبهائم، ولتهارشوا كالسّباع الضّواري. فحيثما رأيتم شيئا من الصلاح، وقليلا من الخير، أو كثيرا منه؛ فهو من تعاليمهم، وكلّ دعوة للحقّ في مكان ما من الأرض فإنّما هي صدى لرسالات الله. وحتى الهمج في مجال إفريقية، فضلا عن الأمم الغربية المتمدينة، كل أولئك استقوا من منهل النبوات الصّافي، واستضاؤوا بأنوار الله التي بعث بها أنبياءه، ولا يزالون يستنيرون بهم في كل ما يسمّى حقّا، وكل ما تدلّ عليه عناوين الخير.


(١) أومض: لمع خفيفا وظهر.

<<  <   >  >>