للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تجد فيها إلا توحيد الله، وشرائط القربان، وشيئا من الأحكام، أما إذا أردت أن تعرف من الأسفار الخمسة التي تتألف منها التوراة شيئا عمّا كان في قلب موسى عليه السلام من الحبّ لله، والشّوق للقائه، وكيف كان يطيع الله ويعبده، وكيف كان توكّله على الله، ويقينه به، وكم أثرت الصفات الإلهية على قلبه، فإنّك لا تجد فيها شيئا من ذلك. ولو كانت الشرعية الموسوية وأحكامها عامّة للبشر، دائمة بدوام الدّهر؛ لكان واجبا على أتباع موسى عليه السلام أن يقيّدوها بالحفظ والكتابة، وأن يصونوها من عبث الدّهر بها، لكن الله عز وجل لمّا لم يرد أن تكون شريعته عامّة خالدة لم يتح لها هذه العناية في الحفظ والتّخليد.

والإنجيل مرآة صافية، تجلّت فيها حياة عيسى عليه السلام، لكننا نجد فيه أن الله (تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا) هو أبو عيسى عليه السلام.

أما كيف كانت رابطة الأبوّة بين هذا الولد المقدّس ووالده، فإن الولد يخبرنا بأن أباه كان يحبه حبّا جمّا، لكنّنا لم نعلم إلى أيّ حدّ بلغ حبّ الولد لوالده، وكيف كانت طاعة الابن لأبيه، وهل كان يركع له، ويسجد في النّهار، أو في الليل، وهل سأله شيئا غير خبز يومه، وهل دعا أباه بدعوة في ليلة من الليالي قبل الليلة التي اعتقل في نهارها؟ إنّنا لا نعلم هذا ولا ذاك.

ولو أنّ سيرة سيدنا عيسى عليه السلام المذكورة في الإنجيل تحتوي على بيان العلاقة بين المخلوق وخالقه، وتهدي المرء إلى ذلك هداية تامّة؛ لما احتاج أول ملوك المسيحية أن يعقد مجلسا شهده ثلاثمئة حبر من أحبار الكنيسة بعد ثلاثة قرون ونصف قرن من المسيح، ليبتوا الحكم في أمر المسيحية. ومع ذلك بقي أمر سيدنا عيسى عليه السلام سرّا من أسرار الزّمان، وسيبقى سرّا في ضمير الزمان، لا يعرب عنه لسان البحث.

هذا فيما يتعلّق بحقوق الله، أما حقوق الخلق؛ فلا تراها مفصّلة أحكامها، محكمة أصولها وأركانها في سيرة أحد من الأنبياء، وتعاليمهم غير محمد صلّى الله عليه وسلم.

<<  <   >  >>