للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود «١» أخرج كتابا، وقال: وايم الله هذا ما كتبته يد ابن مسعود «٢» ! وقال سعيد بن جبير: كنا نختلف في بعض الأمور، فنكتب ذلك، ثم نأتي عبد الله بن عمر، فنعرضه عليه، ونخفي عنه ما كتبنا، ولو علم به لكانت الفيصل بيننا وبينه. أي أنه لا يأذن لهم بحضور مجلسه «٣» ويقول الأسود التابعي «٤» : وقعت أنا وعلقمة على صحيفة جئنا بها إلى ابن عمر، فمحاها «٥» . وأنّ زيد بن ثابت- هو من كتبة الوحي- كان لا يرى كتابة شيء إلا القرآن، فاحتال مروان على أن أجلسه بين يديه، وأجلس كاتبا من وراء الستر يكتب ما يقول، وفعل مثل ذلك معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، فاستملاه حديثا، ولكن زيد بن ثابت فطن لذلك، فألحّ بمحوه حتى محي «٦» .

سادتي! لعلّكم سئمتم سماع الأسماء، وضجرتم بهذه الأخبار، ومللتم ما اقتبسته لكم من هذه النصوص، فمعذرة وعفوا. ولكننا قد بلغنا إلى حيث يتبين لنا الطريق واضحا، وتبدو لنا الحقيقة جلية.

لقد حاولت أن أثبت لكم هذه الحقيقة الرّاهنة، وهي أنّه إذا كان لا يوثق إلا بما كتب ودوّن، فأصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم كتبوا بأيديهم في عهده صلّى الله عليه وسلم، وجمعوا من أحاديثه في حياته، وتركوا ذلك لمن بعدهم، والذين جاؤوا


(١) أحد الأئمة الكبار، سيىء الحفظ. وثقه أحمد. وقال ابن القطان: اختلط حتى كان لا يعقل، فضعّف حديثه، وكان لا يتميز في الأغلب ما رواه قبل اختلاطه مما رواه بعد. ميزان الاعتدال (٢/ ٥٧٤) .
(٢) هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، من أكابر الصحابة- رضوان الله عليهم- ومن السابقين إلى الإسلام، وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة، وكان خادم الرسول صلّى الله عليه وسلم، توفي بالمدينة سنة ٣٢ هـ، وله ٨٤٨ حديثا مرويا.
(٣) جامع بيان العلم، ص ٣٣.
(٤) هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، من فقهاء التابعين والحفاظ، كان عالم الكوفة في عصره، توفي سنة ٧٥ هـ.
(٥) جامع بيان العلم، ص ٣٣.
(٦) مسند الإمام أحمد: الجزء الخامس، ص ١٨٢.

<<  <   >  >>