للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا استطعنا بتطبيق القواعد السابقة أن نعرف الأفعال المحرمة فمن السهل أن نعرف بعد ذلك ما يعتبر منها وطئًا وما يعتبر من هذا الوطء زنا.

ويلاحظ أن الشريعة إذا كانت تفرق بين الوطء وما دونه وتعاقب على الأول بعقوبة الحد وعلى الثانى بعقوبة تعزيرية، فإن الشريعة مع هذا تعتبر الفعل فى الحالتين جريمة تامة، ولا تعتبر الوطء جريمة تامة وما دون الوطء شروعًا فى الجريمة كما هو الحال فى القوانين الوضعية (١) .

٤٨٦ - الوطء فى الدبر: يستوى عند مالك والشافعى وأحمد والشيعة والزيدية أن يكون الوطء المحرم فى قبل أو دبر من أنثى أو رجل، ويشاركهم فى هذا الرأى محمد وأبو يوسف من أصحاب أبى حنيفة (٢) ، وحجتهم فى التسوية أن الوطء فى الدبر مشارك للزنا فى المعنى الذى يستدعى الحد وهو الوطء المحرم، فهو داخل تحت الزنا دلالة، فضلا عن أن القرآن سوى بينهما فقال جل شأنه والخطاب موجه لقوم لوط: {إِنَكُمْ لَتَأْتُونُ الْفَاحَشَةَ} [العنكبوت: ٢٨] وقال: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِجَالَ شَهْوَةً مّنَ دُونِ الّنِسَاءِ} [الأعراف: ٨١] وقال {وَاللاَّتِى يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِسّاَئِكُمْ} [النساء: ١٥] وقال: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوُهمَا} [النساء: ١٦]

فجعل الوطء فى الدبر فاحشة، والوطء فى القبل فاحشة، فسمى أحدهما بما سمى به الآخر. روى أبو موسى الأشعرى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان، وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان" (٣) .


(١) فصلنا الكلام على هذه الملاحظة فى الجزء الاول من التشريع الجنائى الإسلامى ص ٢٩٦ - ٣٠٠.
(٢) شرح الزرقانى ج٨ ص ٧٥، أسنى المطالب ج٤ ص ١٢٦، المغنى ج ١٠ص ١٦٠، شرح الأزهار ج٤ ص٣٣٦، بدائع الصنائع ج ٧ ص٣٤شرح الزرقانى ج٨ ص ٧٥، أسنى المطالب ج٤ ص ١٢٦، المغنى ج ١٠ص ١٦٠، شرح الأزهار ج٤ ص٣٣٦، بدائع الصنائع ج ٧ ص٣٤.
(٣) أخرجه البيهقى وفى إسناده محمد بن عبد الرحمن، وقال لا أعرفه، والحديث منكر بهذا الإسناد ورواه أبوالفتح الأزدى فى الضعفاء، والطبرانى فى الكبير من وجه آخر وفيه المفضل البجلى وهو مجهول، وأخرجه أبو داود الطيالسى فى مسنده عنه. يراجع فى كل ما سبق: نيل الأوطار ج٧ص ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>