للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويشترط أبو حنيفة فوق شرط التقوم أن يكون الشىء المسروق مما يتموله الناس ويعدونه مالاً يضنون به, لأن ذلك يشعر بعزته وخطره عندهم, فإن كان مما لا يتموله الناس فهو تافه وحقير, وحجته فى ذلك حديث عائشة رضى الله عنها: "لم تكن اليد تقطع على عهد رسول الله فى الشىء التافه" (١) .

ويجعل أبو حنيفة التفاهة شبهة فى المال تدرأ الحد عن سارقه وتوجب التعزير بدلاً من القطع. ويترتب على رأيه هذا أن لا قطع فى التبن والحشيش والقصب والحطب وأشباهها, لأن الناس لا يتمولون هذه الأشياء عادة ولا يضنون بها لعدم عزتها وقلة خطرها ويعدون الضن بها من باب الخساسة فهذا مصدر تفاهتها, كذلك لا قطع عند أبى حنيفة فى سرقة التراب والطين والحصى واللبن والفخار وما شابهها لتفاهتها (٢) .

ويعتمد أبو حنيفة على عرف الناس وعاداتهم فى بيان الشىء التافه من الشىء غير التافه, على أنه يسلم بأن الشىء التافه قد يصبح للصناعة ذا قيمة كالقصب يصنع منه النشاب, فإذا أخرجت الصناعة الشىء التافه عن تفاهته كان القطع واجباً فى سرقته (٣) .

ولكن أبا يوسف من فقهاء مذهب أبى حنيفة يرى القطع فى كل مال محرز تبلغ قيمته نصاباً إلا التراب والسرجين, وفى رواية أخرى عنه: إلا فى الماء والتراب والطين والحصى والمعازف؛ لأن السارق يسرق مالاً متقوماً من حرز لا شبهة فيه. ودليل المالية والتقوم هو أولاً جواز بيع المال وشرائه, وهو ثانياً وجوب ضمان القيمة على غاصب المال, فكل ما جاز بيعه وشراؤه ووجب على غاصبه ضمانه فهو مال متقوم يقطع فيه إذا سرق من حرزه (٤) .


(١) بدائع الصنائع ج٧ ص٦٧.
(٢) بدائع الصنائع ج٧ ص٦٧, ٦٨, شرح فتح القدير ج٤ ص٢٢٦.
(٣) شرح فتح القدير ج٤ ص٢٣٢, بدائع الصنائع ج٧ ص٦٨.
(٤) شرح فتح القدير ج٤ ص٢٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>