للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبى حنيفة فى سرقة المصحف وكتب الأحاديث واللغة والشعر لأنها تدخر للقراءة لا للتمول ويقصد منها الوقوف على ما يتعلق به مصلحة الدين والدنيا والعمل به، لكن أبا يوسف يرى القطع فى هذه جميعاً كلما بلغت نصاباً لأن الناس يدخرونها ويعدونها من نفائس الأموال، أما دفاتر الحساب والدفاتر البيضاء فلا خلاف فى المذهب على أن فيها القطع إذا بلغت نصاباً لأن المقصود فيها هو الورق الأبيض (١) .

ويرى أبو حنيفة أن لا قطع فى سرقة ما يتبع ما لا قطع فيه كالحلية على المصحف تبلغ نصاباً، وكسرقة آنية فيها خمر وقيمة الآنية تزيد على النصاب، ولكن أبا يوسف يخالفه ويرى القطع، وهو مذهب مالك والشافعي (٢) .

ولكن أبا يوسف من فقهاء المذهب يخالف أبا حنيفة ويرى القطع فيما لا يحتمل الادخار ويتسارع إليه الفساد؛ لأن السرقة وقعت على مال متقوم فى حرز لا شبهة فيه، ودليل المالية والتقوم هو جواز البيع والشراء فى المال ووجوب ضمان القيمة على غاصبه ومتلفه (٣) .

ويطبق أبو حنيفة المبدأ السابق تطبيقاً واسعاً فيرى أن سرقة الثمار المعلقة فى أشجارها أو نخيلها لا قطع فيها ولو كانت محرزة بحائط أو بحافظ لأن الثمر ما دام فى شجره يتسارع إليه الفساد. فإذا قطع الثمر ووضع فى جرن ثم سرق بعد ذلك فإن كان قد استحكم جفافه ففيه القطع لأنه صار قابلاً للادخار ولا يتسارع إليه الفساد بالجفاف، وإن لم يكن استحكم جفافه فلا قطع فيه لأنه مما يتسارع إليه الفساد ولا يقبل الادخار بحالته الراهنة، ويستعين أبو حنيفة فى تأييد رأيه بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لا قطع فى ثمر ولا كَثَر حتى يؤويه الجرين، فإذا آواه فبلغ ثمن المجن ففيه القطع".


(١) بدائع الصنائع ج٧ ص٦٨.
(٢) شرح فتح القدير ج٤ ص٢٢٩، ٢٣١.
(٣) بدائع الصنائع ج٧ ص٦٩، شرح فتح القدير ج٤ ص٢٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>