للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمحصولات الزراعية كالقمح والشعير والذرة هى بمنزلة الثمر المعلق عند أبى حنيفة فلا قطع فيها حتى يؤويها الجرين ويستحكم جفافها، وهذا يتفق مع ما روى عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أنه سئل عن الثمر المعلق فقال: "من أصاب بغية من ذى حاجة غير متخذ خفية فلا شىء عليه، ومن أخرج بشىء منه فعليه غرامة مثله، ومن سرق منه شيئاً بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع" (١) .

والفاكهة اليابسة التى تبقى من سنة إلى سنة فيها القطع عند أبى حنيفة، فإن لم تكن تبقى من سنة إلى سنة فلا قطع فيها لأنها تعتبر مما لا يقبل الادخار ويتسارع إليه الفساد.

ولا يقطع أبو حنيفة فى السمك طرياً كان أو مالحاً، لأن الطرى يتسارع إليه الفساد والمالح مال تافه مباح الأصل، ولا يقطع كذلك فى اللبن لأنه يتسارع إليه الفساد ولكنه يقطع فى الخل لأنه لا يتسارع إليه الفساد، ويقطع فى الذهب والفضة والجواهر واللآلئ وفى الحبوب الجافة كلها وفى الطيب والعود والمسك وما أشبه، ويقطع فى الكتان والصوف وما أشبه، كما يقطع فى الحديد والنحاس والرصاص وما أشبه، سواء كانت آنية أو مادة خاماً. وهكذا نستطيع أن نتبين أن أبا حنيفة يعول فى عدم القطع على شيئين:

أولهما: التفاهة وعدم المالية، ويعتبر الشىء تافهاً عند أبى حنيفة إذا كان مما لا يتموله الناس كالميتة، أو كان مما لا يضن به الناس لعدم عزته وقلة خطره عندهم كالتبن والحطب، أو كان مما يتسارع إليه الفساد ولا يحتمل الادخار من سنة إلى سنة.

ثانيهما: عدم التقوم فكلما كان المال متقوماً بصفة مطلقة وغير تافه ففيه القطع، فإذا لم يكن متقوماً فلا قطع فيه كالخمر والخنزير فلا قطع فيهما لعدم التقوم (٢) .

ويلاحظ أن إباحة الجنس فى ذاتها لا تمنع من القطع إذا لم يكن المال تافهاً كالذهب والفضة فكلاهما مباح الأصل ولكنه لما لم يكن تافهاً وجب فيه القطع،


(١) شرح فتح القدير ج٤ ص٢٢٧، ٢٢٨، بدائع الصنائع ج٧ ص٦٩.
(٢) بدائع الصنائع ج٧ ص٦٩، ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>