للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلاف، فالبعض يرى أن الفاعل قاتل؛ لأن الإلقاء في الماء يدهش الملقى عن السباحة فيغرق، ولأن أعصاب الملقى في النار تتشنج بإلقائه في النار فتعسر عليه الحركة، ولأن العادة أن لا يستسلم الإنسان للموت فيكون الموت نتيجة للإلقاء. ويرى البعض أن الفاعل لا يعتبر قاتلاً ما دام المجني عليه كان يستطيع السباحة فلم يفعل، والخروج من النار فبقى فيه (١) .

وكلا الفريقين يرى الجاني مسئولاً جنائياً، ولكن الفريق الأول يجعله مسئولاً عن نتيجة الفعل، بينما يجعله الفريق الآخر مسئولاً عن الفعل دون نتيجته قياساً على الحالة الثانية، وأكثر الذين يعتبرون الفاعل قاتلاً يعتبرونه قاتلاً شبه عمد لا قاتلاً عمداً؛ لأن الفعل لا يؤدي غالباً للموت.

٣١٦ - الفرق بين مسئولية المباشر ومسئولية المتسبب: الأصل في الشريعة الإسلامية أن المباشر والمتسبب كلاهما مسئول جنائياً عن فعله، لكن المساواة في المسئولية لا تستلزم تساويهما في العقوبة في جرائم الحدود؛ لأن القاعدة في جرائم الحدود أن عقوبة الحد لا تجب إلا على مباشر (٢) فلا يمكن إذن أن يعاقب المتسبب بعقوبة حد، وإنما يعاقب بعقوبة تعزيرية، ويمكن تعليل هذه القاعدة بأن الأصل في الجرائم ارتكابها بطريق المباشرة، وأن جرائم الحدود يغلب ارتكابها بطريق المباشرة ويقل ارتكابها بطريق التسبب فخصصت عقوبة الحدود لشدتها بما هو أصل وبما يغلب وقوعه.

أما جرائم القصاص فعقوبتها وإن كانت مقدرة كعقوبة الحدود إلا أنها تقع على المباشر والمتسبب معاً عند مالك والشافعي وأحمد؛ لأن هذه الجرائم تقع غالباً بطريق التسبب فلو قصرت عقوبتها على المباشر فقط لتعطلت نصوص


(١) نهاية المحتاج ج٧ ص٢٤٣، ٢٤٥، المغني ج٩ ص٣٢٦، البحر الرائق ج٨ ص٢٩٤، مواهب الجليل ج٦ ص٢٤٠، الشرح الكبير للدردير ج٤ ص٢١٥، ٢١٦.
(٢) المهذب ج٢ ص١٨٩، الشرح الكبير ج٩ ص٣٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>