للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن يجرح، كما لو قبض فاسق على امرأة وبينه وبين الدافع نهر حائل أو جدار مانع فيأخذ بندقيته ويقول له: خل عنها أو لأرمينك، فإن لم يخل عنها فله أن يرميه، وينبغي أن لا يقصد المقتل بل الساق والفخذ وما أشبه، وله أن يسل سيفه ويقول له: اترك هذا المنكر أو لأضربنك، فكل ذلك دفع للمنكر ودفعه واجب بكل ممكن، ولا فرق في ذلك بين ما يتعلق بحدود الله كالزنا وقطع الطريق وبين ما يتعلق بحقوق الأفراد كالضرب والجرح والغضب.

وإذا كان فاعل المنكر لا يمتنع عن المنكر إلا بقتال قد يؤدي إلى قتله كان على دافع المنكر أن يقاتله ولو كان المنكر الذي يراد منعه أقل درجة من القتل، فلو قصد إنسان أن يقطع طرف نفسه وكان لا يمتنع عن ذلك إلا بقتال ربما أدى لقتله وجب منعه عن القطع وقتاله عليه؛ لأن الغرض ليس حفظ نفسه وطرفه بل الغرض حسم سبيل المنكر والمعصية، وقتله في دفع المنكر ليس معصية وقطع طرف نفسه معصية، وذلك مثل دفع الصائل على المال بما يقتله فإنه جائز لا على معنى افتداء درهم من المال بروح شخص وإنما هو جائز بقصد دفع المعاصي، وقصد الصائل لأخذ المال معصية وقتله دفعاً للمعصية ليس في ذاته معصية (١) .

الاستعانة بالغير: وإذا عجز الدافع عن دفع المنكر بنفسه واحتاج إلى أعوان يعينونه على دفعه بقوتهم وأسلحتهم، فقد رأى بعض الفقهاء أن الأفراد ليس لهم أن يدفعوا المنكر بهذه الوسيلة وليس لهم مباشرتها؛ لأنها تؤدي إلى تحريك الفتن وإختلال الأمن والنظام؛ لأن الفاسق قد يستعد أيضاً بأعوانه فيؤدي ذلك إلى القتال؛ وإنما للأفراد أن يباشروا هذه الوسيلة إذا أذن لهم الإمام بمباشرتها، وهو لا يأذن إلا لمن أقامه من قبله للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ورأى البعض الآخر أن للأفراد مباشرة هذه الوسيلة دون حاجة لإذن


(١) إحياء علوم الدين المجلد الثاني ج٧ ص٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>