للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به ووجب الحكم بالدية ولو لم يطلب المجني عليه أو وليه الحكم بها؛ لأن الدية عقوبة لا يتوقف الحكم بها على طلب الأفراد.

وليس في الشريعة ما يمنع في حالة عدم إمكان الحكم بالقصاص من معاقبة الجاني بعقوبة تعزيرية مع الدية إذا اقتضت ذلك مصلحة عامة. ومذهب مالك على إيجاب عقوبة التعزير كلما سقط القصاص أو امتنع الحكم به في حالة القتل والجرح (١) .

والقصاص هو العقوبة الأصلية للقتل والجرح في حالة العمد، أما الدية أو التعزير فكلاهما عقوبة بدلية تحل محل القصاص عند امتناع القصاص أو سقوطه بالعفو.

٤٧٢ - (ثانياً) : الدية: جعلت الشريعة الدية عقوبة أصلية للقتل والجرح في شبه العمد والخطأ، ومصدر هذه العقوبة القرآن وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -, فالله جل شأنه يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ} [النساء: ٩٢] , والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ألا إن في قتيل عمد الخطأ قتيل السوط والعصا والحجر مائة من الإبل".

والدية مقدار معين من المال, وهي إن كانت عقوبة إلا أنها تدخل في مال المجني عليه ولا تدخل خزانة الدولة, وهي من هذه الناحية أشبه بالتعويض خصوصاً وأن مقدارها يختلف تبعاً لجسامة الإصابات ويختلف بحسب تعمد الجاني للجريمة وعدم تعمده لها.

ومن الخطأ اعتبار الدية تعويضاً لهذا التشابه القوي بينها وبين التعويض, وإذ الدية عقوبة جنائية لا يتوقف الحكم بها على طلب الأفراد, وكذلك من


(١) مواهب الجليل ج٦ ص٢٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>