للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التجاوز اعتبارها عقوبة خالصة وهي مال خالص للمجني عليه, وأفضل ما يقال في الدية أنها عقوبة وتعويض معاً, فهي عقوبة لأنها مقررة جزاء للجريمة, وإذا عفا المجني عليه عنها جاز تعزير الجاني بعقوبة تعزيرية ملائمة, ولو لم تكن عقوبة لتوقف الحكم بها على طلب المجني عليه, ولما جاز عند العفو عنها أن تحل محلها عقوبة تعزيرية, وهي تعويض لأنها مال خالص للمجني عليه ولأنه لا يجوز الحكم بها إذا تنازل المجني عليه عنها.

وعقوبة الدية ذات حد واحد فليس للقاضي أن ينقص منها شيئاً أو يزيد في مقدارها, وهي إن اختلفت في شبه العمد عنها في الخطأ واختلفت في الجراح بحسب نوع الجرح وجسامته فإن مقدارها ثابت لكل جريمة ولكل حالة, فدية الصغير كدية الكبير, ودية الضعيف كدية القوي، ودية الوضيع كدية الشريف، ودية المحكوم كدية الحاكم, ومن المتفق عليه أن دية المرأة على النصف من دية الرجل في القتل, أما في الجراح فأبو حنيفة والشافعي (١) يريان أن ما يجب للمرأة هو نصف ما يجب للرجل بصفة مطلقة, وبينما يرى مالك وأحمد (٢) أن المرأة تساوي الرجل إلى ثلث الدية, فإن زاد الواجب على ثلث الدية فللمرأة نصف ما يجب للرجل (٣) . وهناك خلاف على دية غير المسلمين, فالبعض يسوي بين دية المسلم وغير المسلم والبعض يفرق بينهما (٤) .

وقد فرقت الشريعة بين عقوبة القتل العمد وعقوبة القتل شبه العمد, فجعلتها في الأول القصاص وفي الثاني الدية المغلظة؛ لأن المجرم في القتل العمد يقصد قتل


(١) بدائع الصنائع ج٧ ص٣١٢, نهاية المحتاج ج٧ ص٣٠٢.
(٢) شرح الدردير ج٤ ص٢٤٨، والمغني ج٩ ص٥٢٣.
(٣) هذه القاعدة مطلقة عند أحمد, أما مالك فيقيدها باتحاد الفعل واتحاد المحل, راجع شرح الدردير ج٤ ص٢٤٩، ومواهب الجليل ج٦ ص٢٦٤, ٢٦٥.
(٤) بدائع الصنائع ج٧ ص٢٥٥, شرح الدردير ج٤ ص٢٣٨, المغني ج٩ ص٥٢٧, المهذب ج٢ ص٢١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>