للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجني عليه أما في شبه العمد فالمجرم لا يقصد قتل المجني عليه, ووجود هذا الفرق بينهما في الفعل يمنع من التسوية بينهما في العقوبة, وفضلاً عن هذا فإنه لا يمكن تطبيق عقوبة القصاص على القتل شبه العمد؛ لأن القصاص يقتضي التماثل بين ما يفعله الجاني وما يفعل به، والجاني لم يقصد قتل المجني عليه, فإذا قتل الجاني بالمجني عليه فإن قاتل الجاني لابد أن يقصد قتله, وهنا ينعدم التماثل, فالعدالة والمنطق هما أساس التفريق بين عقوبة العمد وعقوبة شبه العمد.

وفرقت الشريعة بين عقوبة العمد الخالص والخطأ, فجعلتها في حالة العمد القصاص وفي حالة الخطأ الدية المخففة، ناظرة في ذلك إلى أن الجاني في جرائم العمد يتعمد الجريمة ويفكر فيها ويتوسل ارتكابها بمختلف الوسائل ليحقق لنفسه أو لغيره مصلحة مادية أو معنوية، أما الجاني في جرائم الخطأ فإنه لا يتعمد الجريمة ولا يفكر فيها وليس ثمة ما يدفعه لارتكابها, وكل ما هنالك أن إهماله أو عدم احتياطه يؤدي إلى وقوع الفعل المكون للجريمة دون أن يتجه ذهن الجاني إلى هذا افعل بالذات، فالجريمة العمدية إذن تتكون من عنصرين: عنصر معنوي هو اتجاه المجرم النفسي للجريمة، وعنصر مادي هو الفعل المكون للجريمة، أما جريمة الخطأ فيتوفر فيها العنصر المادي فقط وينقصها العنصر المعنوي لتساوي الجريمة العمدية، والفرق بين نفسية الجاني المتعمد وبين نفسية الجاني المخطئ هو علة التفرقة في عقوبة الجريمتين, والفرق بين النفسيتين يساوي تماماً الفرق بين العقوبتين؛ لأن المجرم المتعمد إذا تجرد من العوامل النفسية التي دعت لارتكاب الجريمة أصبح مساوياً للمجرم المخطئ ولم يبقى إلا العنصر المادي للجريمة, ومن أجل ذلك سوت الشريعة بين عقوبة العمد في حالة العفو وبين عقوبة الخطأ وجعلتها الدية في الحالين, فكأن العفو ينصرف إلى العنصر المعنوي في الجريمة العمدية, فإذا كان العفو عن الدية انصرف إلى العنصر المادي في الجريمتين.

ولم تعاقب الشريعة في حالة الخطأ بالقصاص؛ لانعدام الدوافع النفسية لدى

<<  <  ج: ص:  >  >>