للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجاني, ولأنه لم يتعمد الجريمة ولم يفكر فيها, ولكن لما كانت الجريمة سببها الإهمال وعدم الحرص, ولما كان يتسبب عنها في الغالب أضرار مالية للمجني عليه أو لورثته, فقد رأت الشريعة لهذين السببين أن تكون العقوبة في أعز ما يحرص عليه الإنسان بعد النفس وهو المال. فكان جزاء عدم الحرص هو الحرمان من المال الذي يتعب الناس أنفسهم في الحرص عليه, وكان جزاء الإضرار بما الآخرين هو الإضرار بالمال, ولا شك أن هذه العقوبة كافية لحمل المتهاون المهمل على أن يتمسك بأهداب الحرص واليقظة.

ويتضح مما سبق أن الدية عقوبة مشتركة بين العمد الذي لا قصاص فيه وبين شبه العمد وبين الخطأ, ولكن مقدار الدية ليس واحداً في هذه الحالات الثلاث, فدية العمد وشبه العمد واحدة وهي الدية المغلظة, ودية الخطأ هي الدية المخففة.

والأصل أن الدية بصفة عامة من الإبل, والتغليظ والتخفيف لا دخل له في العدد إنما يكون في أنواع الإبل وأسنانها.

ولفظ الدية إذا أطلق يقصد منه الدية الكاملة وهي مائة من الإبل سواء كانت الدية مغلظة أو مخففة, أما ما هو أقل من الدية الكاملة فيطلق عليه لفظ الأرش, فيقال أرش اليد وأرش الرجل, على أن الكثيرين يستعملون لفظ الدية فيما يجب أن يستعمل فيه لفظ الأرش.

والأرش على نوعين: أرش مقدر, وأرش غير مقدر, فالأول: هو ما حدد الشارع مقداره كأرش الأصبع واليد، والثاني: هو ما لم يرد فيه نص وترك للقاضي تقديره, ويسمى هذا النوع من الأرش حكومة أو حكومة العدل.

من يحمل الدية: والقاعدة العامة أن دية العمد تجب في مال المجني عليه دون غيره سواء كانت الدية عن النفس أو ما دون النفس, إلا أن مالكاً يستثني من هذه القاعدة أرش الجراح التي يمتنع القصاص فيها خوف تلف الجاني ككسر الفخذ والجائفة, ويرى أن العاقلة تحمل مع الجاني ما بلغ ثلث دية الجاني أو

<<  <  ج: ص:  >  >>