للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أدى وجود القاعدة الثانية إلى الاختلاف بين الفقهاء فى تطبيق القاعدة الأولى على جرائم القتل والضرب، كذلك تختلف آراء الفقهاء فى القتل عنها فى القتل والجرح.

الرضاء بالقتل: يرى أبو حنيفة وأصحابه أن الإذن بالقتل لا يبيح القتل؛ لأن عصمة النفس لا تباح إلا بما نص عليه الشرع والإذن بالقتل ليس منها، فكان الإذن عدمًا لا أثر له على الفعل فيبقى الفعل محرمًا معاقبًا عليه باعتباره قتلاً عمدًا. لكنهم اختلفوا فى العقوبة التى توقع على الجانى، فرأى أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد أن تكون العقوبة الدية ودرءوا عقوبة القصاص عن الجانى على أساس أن الإذن بالقتل شبهة وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ادرءوا الحدود بالشبهات" والقصاص معتبر حدًا فكل شبهة تقوم فى فعل مكون لجريمة عقوبتها القصاص يدرأ بها الحد عن الجانى، ورأى زفر أن الإذن لا يصلح أن يكون شبهة ومن ثم فهو لا يدرأ القصاص، فوجب أن يكون القصاص هو العقوبة (١) .

والرأى الراجح فى مذهب مالك: أن الإذن بالقتل لا يبيح الفعل ولا يسقط العقوبة ولو أبرأ المجنى عليه الجانى من دمه مقدمًا لأنه ابرأه من حق لم يستحقه بعد، وعلى هذا يعتبر الجانى قتلاً عمدًا ولكن بعض أصحاب هذا الرأى يرون أن تكون العقوبة القصاص ويعاقب بالعقوبة المقررة له، ويرى البعض الآخر أن الإذن شبهة تدرأ القصاص ومن ثم يوجبون الدية، أما الرأى المرجوح فنسبه ابن عرفة لسحنون ومقتضاه: "أن الإذن بالقتل لا يبيح الفعل ولكنه يسقط العقوبة فلا قصاص ولا دية وإنما التعزير"، ولكن الرأى المعروف عن سحنون فى "كتاب العُتْبِِيَّة" أنه يرى عقاب القاتل وإن كان يدرأ القصاص عنه للشبهة (٢) .


(١) بدائع الصنائع ج٧ ص٢٣٦.
(٢) مواهب الجليل للحطاب ج٦ ص٢٣٥ - ٢٣٦ , الشرح الكبير للدردير ج٤ ص٢١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>