أخاهم إذا خالفهم في عمل ما اتباعاً للدليل هو في الحقيقة قد وافقهم؛ لأنهم هم يدعون إلى اتباع الدليل أينما كان، فإذا خالفهم موافقة لدليل عنده، فهو في الحقيقة قد وافقهم، لأنه تمشى على ما يدعون إليه ويهدون إليه من تحكيم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يخفى على كثير من أهل العلم ما حصل من الخلاف بين الصحابة في مثل هذه الأمور، حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعنف أحداً منهم، فإنه عليه الصلاة والسلام لما رجع من غزوة الأحزاب وجاءه جبريل وأشار إليه أن يخرج إلى بني قريظة الذين نقضوا العهد فندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال:((لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة)) (١) فخرجوا من المدينة إلى بني قريظة وأرهقتهم صلاة العصر فمنهم من أخر صلاة العصر حتى وصل إلى بني قريظة بعد خروج الوقت، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة)) .
ومهم من صلى الصلاة في وقتها، وقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد منا المبادرة إلى الخروج ولم يرد منا أن نؤخر الصلاة عن وقتها -وهؤلاء هم المصيبون- ولكن مع ذلك لم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم أحداً من الطائفتين، ولم يحمل كل واحد على الآخر عداوة، أو بغضاء بسبب اختلافهم في فهم هذا النص، لذلك أرى أن الواجب على المسلمين الذين ينتسبون إلى السنة أن يكونوا أمة واحدة، وأن لا يحصل بينهم تحزب، هذا ينتمي إلى طائفة، والآخر إلى طائفة أخرى، والثالث إلى طائفة ثالثة، وهكذا، بحيث يتناحرون فيما
(١) أخرجه البخاري، كتاب الخوف، باب صلاة الطالب والمطلوب (٩٤٦) ، وأخرجه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب المبادرة بالغزو (١٧٧٠) .