أخرجه الإسماعيلي في ((معجمه)) (ج١/ ق ٣٣/٢) قال: أخبرني أبو جعفر بن الجعد، حدثنا سفيان بن وكيع، وحدثنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعاً ... فذكره. قلت: أما شيخ الإسماعيلي، فقد ترجمه الخطيب ((التاريخ)) (٤/ ٨١- ٨٢) وسماه: (أحمد بن الحسن بن الجعد، أبو جعفر، ثم روى عن الدارقطني أنه قال فيه: ((ثقة)) . وأما سفيان بن وكيع، فهو - وإن كان صدوقاً في الأصل - إلا أن حديثه سقط بسبب وراقة، فقد كان يدخل عليه الأحاديث، ونصحوه فلم يستجب لهم، حتى اتهمه أبو زرعة بالكذب. ولكن قال ابن حبان: ((وهو من الضرب الذين لأن يخروا من السماء أحب إليهم من أن يكذبوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن أفسدوه)) . قلت: فهو آفة الحديث، لأن بقية رجال السند ثقات، وعنعنة الأعمش عن أبي صالح مشاها الذهبي في ((الميزان)) . والله أعلم. (٢) ١٢٥- منكر. أخرجه أبو داود (٣١٢٣) ، والنسائي (٤/ ٢٧-٢٨) ، وأحمد (٢/ ١٦-١٦٩) ، وابن عبد الحكم في ((فتوح مصر)) (ص - ٢٥٩) ، والطحاوي في ((المشكل)) (١/ ١٠٨) ، والحاكم (١/ ٣٧٣-٣٧٤) ، = =والبيهقي في ((السنن)) (٤/ ٧٧- ٧٨) ، وابن حبان (ج ٥ / رقم ٣١٦٧) ، وابن الجوزى في
((الواهيات)) (٢/ ٩٠٣) ، من طريق ربيعة بن سيف، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو، قال: بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذا بصر بامرأة، لا تظن أنه عرفها. فلما توسط الطريق، وقف حتى انتهت إليه، فإذا فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها: ((ما أخرجك من بيتيك يا فاطمة؟ !)) قالت: أتتيت أهل هذا الميت، فترحمت إليهم وعزيتهم بميتهم. قال: ((لعلك بلغت معهم الكدى؟)) قالت: معاذ الله أن أكون بلغتها، وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر. وقال لها: ((لو بلغت معهم ... الحديث)) . وعزاه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((مجموع الفتاوى)) (٢٤/ ٣٦٢) لأصحاب السنن فوهم، فلم يخرجه الترمذي ولا ابن ماجة.
قال النسائي عقبه: ((ربيعة ضعيف)) . وقال الحاكم: ((صحيح على شرط الشيخين)) ووافقه الذهبي!! قلت: وهذا غريب، لاسيما من الذهبي - رحمه الله - لأنه قال في ((المهذب)) (٣/ ٤٨٤) بعد هذا الحديث: ((قلت: هذا منكر، تفرد به ربيعة، وقد غمزه البخاري وغيره بأنه صاحب مناكير)) أ. هـ. ومع ضعف ربيعة، فلم يخرج له أحد الشيحين شيئاً فليس على شرط واحد منهما. أما قول المنذري في ((الترغيب)) (٤/ ١٨١) : ((وربيعية هذا تابعي من أهل مصر، فيه مقال لا يقدح في حسن الإسناد)) . أ. هـ. ففيه نظر. لأن ربيعة بن سيف، وأن قال الدارقطني: ((صالح)) . وقال النسائي: ((ليس به بأس)) ووثقه العجلي. فقد وصفه البخاري وابن يونس بأنه يروي المناكير. وقال ابن حيان في ((الثقات)) : ((يخطى كثيراً)) . أما قول النسائي: ((ليس به بأس)) ، فهو معارض بقوله في الرواية الأخرى عنه: ((ضعيف)) . والعجلي متساهل والتوثيق وقول الدارقطني فيه، يعني صالح في المتابعات. وقد تفرد به ومما يدل على نكارة هذا المتن قوله: ((ما رأيت الجنة حتى برأها جد أبيك)) . فإن زيارة القبور - إن كانت غير جائزة للنساء، فإن المرأة تكون عاصية بفعلها، ولا يؤول بها الحال إلى قريب من الكفر، فضلاً عن ثبوته عليها [لأن عبد المطلب جد النبي - صلى الله عليه وسلم - مات كافراً على دين الجاهلية كما عليه أهل السنة خلافاً للشيعة. وانظر السيرة النبوية)) (١/ ٢٣٨، ٢٣٩) للحافظ ابن كثير] . - وقد فطن ابن حبان إلى هذه النكارة، فحاول أن يتأول الحديث. ولكنه تكلف جداً في التأويل، فقال عقب الحديث: ((قوله - صلى الله عليه وسلم -: لو بلغت معهم الكدى ما رأيت الجنة العالية التي يدخلها من لم يرتكب ما نهى= =رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه، لأن فاطمة علمت النهى فيه قبل ذلك، والجنة هي جنات كثيرة، لا جنة واحدة، والمشرك لا يدخل جنة من الجنان أصلاً، لا عالية، ولا سافلة، ولا ما بينهما)) أ. هـ. ولفظ الحديث لا يساعد ابن حبان على مثل هذا التأويل. ثم أعلم أن زيارة النساء للقبور جائزة بشروط وقد قال النووي رحمه الله تعالى: ((وبالجوار قطع الجمهور)) . ومن أدلة ذلك ما: أخرجه البخاري (٣/ ١٢٥، ١٤٨، و١٣/ ١٣٢- فتح) ، ومسلم (٦٢٦/ ١٥) ، وأبو داود (٣١٢٤) ، والنسائي في ((السنن)) (٤/ ٢٢) ، وفي ((عمل اليوم واليلة)) (١٠٦٨) ، وأحمد (٣/ ١٤٣) ، وأبو يعلى في ((مسنده)) (ج٦/ رقم ٣٤٥٨، ٣٥٠٤) ، والبيهقي (٤/ ٦٥ و١٠/ ١٠١) ، والبغوي في ((شرح السنة)) (٥/ ٤٤٧) من طريق شعبة، عن ثابت، عن أنس قال: أتى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - على امرأة تبكي على صبي لها، فقال لها: ((إتقي الله واصبري)) . فقالت: وما تبالي أنت بمصيبتي؟!! . فقيل لها: هذا النبي - صلى الله عليه وسلم -. فأتته فلم تجد على بابه بوابين، فقالت: يا رسول الله! لم أعرفك، فقال: ((إنما الصبر عند الصدمة الأولى)) . وأخرجه البخاري (٣/ ١٧١) ، ومسلم (٦٢٦/ ١٤) ، والترمذي (٩٨٨) ، وأحمد (٣/ ١٣٠، ٢١٧) من طريق شعبه بسنده، ولكنه اقتصر على آخره ولم يذكر القصة. وقال الترمذي: ((حديث حسن صحيح)) . وأخرجه الترمذي (٩٨٧) ، وابن ماجة (١٥٩٦) من طريق الليث بن سعد، عن يزيد أبي حبيب، عن سعد بن سنان، عن أنس مختصراً بآخره. وقال الترمذي: ((غريب من هذا الوجه)) . قلت: وسعد بن سنان، يقال: سنان بن سعد، والصواب الأول ضعيف، والمشهور هو طريق ثابت المتقدم. قال الحافظ في ((الفتح)) (٣/ ١٤٨) : ((وموضع الدلالة من الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر، وتقريره حجة)) . وقال البدر العيني في ((العمدة)) (٨/ ٦٨) : ((وفيه جواز زيارة القبور مطلقاً، سواء كان الزائر رجلاً أو امرأة، وسواء كان المزور مسلماً أو كافراً لعدم الفصل في ذلك)) . وأيضاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنها تذكركم بالآخرة، ولا تقولوا هجراً)) . ... = =أخرجه مسلم (٩٧٧) ، وأبو داود (٢٢٣٥) ، والنسائي (٤/ ٨٩) ، والترمذي (١٠٥٤) ، وأحمد (٥/ ٣٥٠، ٣٥٥، ٣٥٦، ٣٦١) ، والحاكم (١/ ٣٧٦) ، والبيهقي (٤/ ٧٧) من طريق محارب بن دثار، عن ابن بريدة، عن أبيه في كلام آخر. قال الحاكم: ((صحيح على شرط الشيخين)) ووافقه الذهبي. قلت: وابن بريدة إن كان هو سليمان، فلم يخرج له البخاري شيئاً عن أبيه فلا يكون على شرطه. وإن كان هو عبد الله، فقد أخرجا له عن أبيه. على أن كليهما قد روى الحديث عن أبيه. ثم في استدراك هذا على مسلم نظر، فقد أخرجه ثم استدركت فقلت: سياق مغاير لسياق مسلم، ولم يشتركا إلا في محل الشاهد. ووجه الدلالة من الحديث أن الخطاب عام، فيدخل فيه النساء. قال الحافظ في ((الفتح)) (٣/١٤٨) : ((وهو قول الأكثر، ومحله إذا أمنت الفتنة)) . وانظر لذلك كتاب ((أحكام الجنائز)) (ص ١٨٠ - ١٨٧) لشيخنا حافظ الوقت، ناصر الدين الألباني حفظه الله تعالى.