أخرجه أحمد (٦/ ٢٧٢) ، وابن خزيمة (١/ ٧١) ، والبزار (١/ ٢٤٤) ، والحاكم (١/ ١٤٦) ، والبهيقي (١/ ٤.) من طريق محمد بن إسحاق قال: وذكر محمد بن مسلم الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا به. قال البزار: ((لا نعلم أحدا رواه بهذا اللفظ إلا ابن إسحاق)) . وقال ابن خزيمة: ((أنا استثنيت صحة هذا الخبر، لأني أخاف أن يكون محمد بن إسحاق لم يسمع من محمد بن مسلم، وإنما دلسه عنه)) . وقال البهيقي: ((وهذا الحديث، أحد ما يخاف أن يكون من تدليسات محمد بن إسحاق بن يسار وأنه لم يسمعه من الزهري)) . قلت: فعلة هذا الإسناد هي عنعنة ابن إسحاق. أما الحاكم فقال: ((صحيح على شرط مسلم)) ووافقه الذهبي!! وليس كما قالا، بل هو وهم عجيب منها لا سيما الذهبي. فان ابن إسحاق لم يحتج به مسلم، وقد نبه الذهبي على هذا، ثم نسى. فسبحان من لا يضل ولا ينسى. قال النووي في ((المجموع)) (١ / ٣٣١) : ((وأما حديث عائشة فضعيف رواه البهيقي من طرق وضعها كلها وكذا ضعفه غيره. وذكر الحاكم في ((المستدرك)) وقال: هو صحيح على شرط مسلم، = = وأنكروا ذلك على الحاكم، وهو معروف عندهم بالتساهل في التصحيح. وسبب ضعفه أن مداره على ابن إسحاق وهو مدلس، ولم يذكر سماعه. والمدلس إذا لم يذكر سماعه لا يحتج به بلا خلاف كما هو مقرر لأهل الفن. وقوله أنه ليس على شرط مسلم ليس كذلك، فإن محمد بن إسحاق لم يرو له مسلم شيئاً محتجا به، وإنما روى له متابعة. وقد علم من عادة مسلم وغيره من أهل الحديث أنهم يذكرون في المتابعات من لا يحتج به للتقوية، لا للاحتجاج. ويكون اعتمادهم على الإسناد الأول، وذلك شيء مشهور عندهم. والبيهقي أتقن في هذا الفن من شيخه الحاكم، وقد ضعفه. والله أعلم)) . أهـ.
وتعقبه في بعض ما قال، صاحب ((طرح التثريب)) (٢/ ٦٥) فقال: ((قوله: والمدلس إذا لم يذكر سماعه.... الخ قال: وقوله: بلا خلاف ليس بجيد، بل فيه الخلاف في الاحتجاج بالمرسل، وأولى بالصحة لاحتمال عدم سقوط أحد، وممن صرح بجريان الخلاف فيه ابن الصلاح. وغيره. والله أعلم. وضعف يحيى بن معين أيضاً الحديث المذكور، وقال: أنه باطل)) . أهـ. وقال ابن مفلح في ((المبدع)) (١/ ٩٩) : ((رواه الحاكم وصححه، وقال: على شرط مسلم، وهذا مما أنكر عليه، وضعفه البيهقي بسبب أن ابن إسحاق مدلس ولم يسمعه من الزهري)) . أهـ. أما الصنعاني فقال في ((العدة)) (١/ ٢٧٨) : ((وأخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وتعقب بأن مسلماً لم يخرج له - يعني ابن إسحاق - إلا في المتابعات. قلت: على كل حال، وإن خرج عن رتبة الصحيح فأنه حسن معمول به. ويشهد له حديث جابر مرفوعاً: ((ركعتان بسواك.....)) أخرجه أبو نعيم بإسناد حسن كما قال المنذري. وأخرج أيضاً مثله موقوفاً على ابن عباس بإسناد قال فيه الحافظ المنذري: جيد)) . أهـ. قلت: وهذا التعقيب يستغرب من الصنعاني؛ لأنه لم يأت عليه بدليل سوى مجرد الدعوى. ومثله لا يقبل، فذلك لم يتعرض بالجواب عن العلة الحقيقية، وهي عنعنة ابن إسحاق. وإنما يحسن حديث ابن إسحاق إذا صرح بالتحديث، وعليه استقر عمل كثير من الحفاظ، والشواهد التي ذكرها أسانيدها معلولة كما قال الحافظ ابن حجر في ((التلخيص)) (١/ ٦٧) . والمنذري رحمه الله نفسه رخو في التصحيح كما علمته بأدلة كثيرة بعد مطالعتي لكتابه ((الترغيب والترهيب)) . وقال الشيخ عبد الرحمن البنا في ((الفتح الرباني)) (١/ ٢٩٤) بعد ذكر تصحيح الحاكم: ((وحديث عائشة لم يتعقبه الذهبي بسيء في تلخيصه على المستدرك، فلو كان معلولاً لذكر علته)) !! . قلت: وهذا جواب هزيل، وعذر الشيخ أنه لم يكن من أهل الفن، وإلا فالذهبي وقع في كثير من الوهم في تلخيصه على المستدرك، علمت ذلك بعد دراستي لكتاب المستدرك، مما قوى عندي الرغبة في تتبع المواضع التي أخطأ فيها الحاكم ووافقه الذهبي، فتجمع لديَّ حتى الآن أكثر من ألف موضع؛ أودعتها في كتابي: ((إتحاف الناقم بوهم الذهبي والحاكم)) يسر الله إتمامه بخير. وَلَهُ قصة ذكرتها في مقدمة الكتاب المشار إليهِ. ... = = نعم، توبع ابن إسحاق. تابعه معاوية بن يحيى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة مرفوعاً: ((ركعتان بسواك، أفضل من سبعين ركعة بغير سواك)) . أخرجه أبو يعلى (٢٥٢- زوائده) ، وبحشل في ((تاريخ واسط)) (٢٠٠) ، وابن حبان في ((المجروحين)) (٣/ ٥) ، والبزار (١/ ٢٤٥) ، وابن عدي في ((الكامل)) (٦/ ٢٣٩٥) ، وابن الجوزي في ((الواهيات)) (١/ ٣٣٦) . قال البزار: ((لا نعلم رواه إلا معاوية)) . قلت: وهو ابن يحيى الصدفي. قال ابن معين: ((هالك، ليس بشيء)) . وضعفه أبو حاتم، والنسائي، والساجي وقال: ((جداً)) . وقال أحمد: ((تركناه)) . وله طريق آخر عن عائشة. أخرجه البيهقي (١/ ٤٠) من طريق محمد بن عمر، ثنا عبد الله بن أبي يحيى الأسلمى، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة مرفوعاً: ((الركعتان بعد السواك، أحب إلي من سبعين ركعة قبل السواك)) . قال البيهقي: ((الواقدي، لا يحتج به)) . قلت: لأنه متروك، بل كذبه غير واحد. قال الحافظ يرد على مغلطاي: ((وقد تعصب مغلطاي للواقدي، فنقل كلام من قواه ووثقه، وسكت عن ذكر من وهاه واتهمه، وهم أكثر عددا وأشد إتقانا، وأقوى معرفة به من الأولين. ومن جملة ما قواه به: أن الشافعي روى عنه. وقد أسند البيهقي عن الشافعي أنه كذبه. ولا يقال: فكيف روى عنه؟! لأنا نقول: رواية العدل ليست بمجردها توثيقا، فقد روى أبو حنيفة عن جابر الجعفي، وثبت عنه أنه قال: ما رأيت اكذب منه)) أهـ. قلت: ومع وضوح كلام الحافظ وقوته، فقد رد عليه التهانوي الحنفي في ((قواعده)) (٣٤٧ - ٣٥.) فقال: ((هذا، ولم يتعصب مغلطاي للواقدي بل استعمل الإنصاف!! فان الصحيح في أمر الواقدي التوثيق!! . قال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد في ((الإمام)) : جمع شيخنا أبو الفتح الحافظ في أول كتابه: ((المغازي والسير)) أقوال من ضعفه، ومن وثقه، ورجح توثيقه، وذكر الأجوبة عما قيل. وهذا يردُّ على النووي والذهبي قولهما: الواقدي ضعيف باتفاقهم أو: استقر الإجماع على وهنه. وأين الإجماع من الاختلاف في ترجيح توثيقه وتضعيفه؟!)) . أهـ. وَقَالَ ابن الهمام - وهو من أكابر محققي الأحناف -: ((الواقدي حسن الحديث عندنا)) . ... = = قلت: وهو ذهول من هؤلاء الفضلاء عن القاعدة المقررة عند العلماء، وهي أن الجرح مقدم على التعديل إن كان مفسرا، وجرح الواقدي مفسر وظاهر، فقد كذبه أحمد بن حنبل، والشافعي، والنسائي، وابن المدني، وأبو داود، ومحمد بن بشار. واتهمه أبو حاتم، وابن راهويه بالوضع وكذا الساجي. وتركه أحمد، وابن المبارك، وابن نمير، وإسماعيل بن زكريا، والبخاري، وأبو زرعة والعقيلي والدولابي وغيرهم. وهذا هو الذي حدا بالنووي أن يقول: ((الواقدي ضعيف باتفاقهم)) . والمقصود من عبارته باتفاق النقاد العارفين، لأن الذين وثقوه لا يرقون في النقد إلى مستوى الجارحين. فمن قيل فيه هذا كيف يقال: الراجح فيه التوثيق؟!! أو: هو حسن الحديث عندنا!! وهل هذا إلا قلب للأصول؟! وقد قال الكوثري - وهو حنفي جلد - في ((مقالاته)) (٤١- ٤٤) بعد ذكر حديث: ((اتقوا خضراء الدمن -.)) قال: ((انفرد به من كذبه جمهرة أئمة النقد بخط عريض. فقال النسائي: الكذابون المعروفون بالكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة: الواقدي بالمدينة.. وقال البخاري: قال أحمد: كذاب -.. ثم قال: وجرح هؤلاء مفسر، لا يحتمل أن يحمل التكذيب في كلامهم على ما يحتمل الوهم كما ترى، وإنما مدار الحكم على الخبر بالوضع أو الضعف الشديد من حيث الصناعة الحديثية هو انفراد الكذاب، أو المتهم بالكذاب، أو الفاحش الخطأ، لا النظر إلى ما في نفس الأمر، لأنه غيب، فالعمدة في هذا الباب هي علم أحوال الرجال. واحتمال أن يصدق الكذاب في هذه الرواية مثلاً، احتمال لم ينشأ من دليل، فيكون وهما منبوذاً..)) . أهـ. قلت: وهذا تحقيق حسن، ولكن الكوثري لم يثبت عليه، فقد رأيته وثق الواقدي في تعليقه على كتاب ((شروط الأئمة)) (ص ٣٧) !! وكان الكوثري مشهوراً بذلك. قال الذهبي في ((السير)) (٩/ ٤٦٩) : ((وقد تقرر أن الواقدي ضعيف، يحتاج إليه في الغزوات والتاريخ، ونورد آثاره من غير احتجاج، وأما في الفرائض، فلا ينبغي أن يذكر. فهذه الكتب الستة، ومسند أحمد، وعامة من جمع في الأحكام، نراهم يترخصون في إخراج أحاديث أناس ضعفاء، بل ومتروكين، ومع هذا لا يخرجون لمحمد ابن عمر شيئاً. مع أن وزنه عندي أنه مع ضعفه يكتب حديثه ويروي، لأني لا أتهمه بالوضع. وقول من أهدره، وفيه مجازفة من بعض الوجوه، كما أنه لا عبرة بتوثيق من وثقه، كيزيد، وأبي عبيد، والصاغاني، والحربي، ومعن، وتمام، عشرة محدثين، إذ قد انعقد الإجماع اليوم على أنه ليس بحجة وأن حديثه في عداد الواهي، رحمه الله)) . أهـ. قلت: وقول الذهبي - رحمه الله -: (( ... مع ضعفه يكتب حديثه ويروي.... الخ)) فيه نظر، ولعل الدافع إلى هذا القول هو أن الواقدي كان واسع العلم في المغازي كما صرح الذهبي في مطلع كلامه، فيحتاج إليه. ولكن كلام أئمة النقد لا يساعد عليه. ثم كيف يكتب حديث الواقدي مع ضعفه = =الشديد؟! والحاصل أنه لا يُحتج به إذا انفرد، ولا يصلح أيضاً في الشواهد ولا المتابعات. فعلى أي أساس يكتب حديثه؟! إلا أن يقال: يكتب حديثه على سبيل التعجب!! وزعم الشيخ عبد الغني عبد الخالق في تعليقه على ((مناقب الشافعي)) لابن أبي حاتم (٢/ ٢٢٠) : ((أن الإجماع استقر على وهن الواقدي كما قال الذهبي، ولكن في غير السير والمغازي، فهو فيها ثقة بالإجماع)) !! ولا أدري ما مستنده في دعواه؟ ولم أقف على كلام لأحد الأئمة أطلق فيه دعوى الإجماع. نعم قال الذهبي في ((السير)) (٩/٤٥٤ - ٤٥٥) : ((وجمع فأوعى، وخلط الغث بالسمين، والخرز بالدر الثمين، فاطرحوه لذلك، ومع هذا فلا يستغني عنه في المغازي، وأيام الصحابة وأخبارهم)) . فكلام الذهبي هذا فسره هو فيما نقلته عنه سابقاً وهو قوله: ((نورد آثاره من غير احتجاج)) . وليس في هذا ما يفيد أنه ثقة في المغازي والسير. وحاصل البحث أن الواقدي متروك مع سعة علمه كما قال الحافظ في ((التقريب)) . وفي الباب عن ابن عمر، رضي الله عنهما. أخرجه بحشل في ((تاريخ واسط)) (٢٣٤) قال: ثنا الحسن بن راشد بن عبد ربه بن راشد، قال: ثنا أبو راشد بن عبد ربه، قال: ثنا نافع مولى ابن عمر قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك)) . قلت: والحسن بن راشد، وأبوه لم أقف على حالهما. ولا أدري هل ذكرهما السلفي في سؤالا ته لخميس الحوزي بشأن جماعة من أهل واسط أم لا؟! فإن الكتاب ليس معي الآن. وعلى كل إن ثبتت ثقتهما فإن الحديث مرسل ضعيف. والله أعلم. وفي الباب عن جماعة من الصحابة، وأحاديثهم كلها معلولة، وراجع لذلك: ((التلخيص الحبير)) (١/ ٦٧) للحافظ. أما معنى الحديث فإنه باطل، إذ كيف تترجح صلاة المتسوك على غير المتسوك بسبعين ضعفاً، مع أن السواك يعدو كونه مستحباً؟!! وقد طعن في الحديث ابن معين، والبزار، وابن حبان، والبيهقي، والعراقي، وابن حجر. والله أعلم. ...