للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حققه المسلمون في اسبانيا؛ بل نجد في العصر الحديث عالما إسبانيا مثل المستشرق سيمونيت، يبرر، بل ويمجد العمل الوندلي الذي ارتكبه الكردينال خمنيس مطران طليطلة، بجمع الكتب العربية من المسلمن بعد سقوط غرناطة بقليل، وقد بلغت زهاء مائة ألف أو تزيد، والاحتفال بإحراقها أكداسا في ميادين غرناطة، لكى تحرم الأمة المغلوبة بذلك من غذائها الروحي والفكري.

على أن البحث الغربي الحديث، استطاع أن يستدرك كثيراً من شوائب هذا النقص، الذي يكتنف تاريخ اسبانيا في العصور الوسطى، فدرست الكتب والوثائق العربية منذ أوائل القرن الماضي، وتبوأت المصادر الإسلامية مكانها إلى جانب المصادر النصرانية، وترجم البعض منها إلى اللغات الأوربية، وظهرت طائفة كبيرة من الكتب والبحوث النقدية بمختلف اللغات الأوربية ومنها الإسبانية، تكشف للغرب عن كثير من الحقائق المتعلقة بتاريخ الأندلس، وأحوال المجتمع الإسلامي في اسبانيا، وتكشف بالأخص عن القسط البارز، الذي ساهمت به المدنية الإسلامية بالأندلس، في بناء الحضارة الإسبانية الحديثة، وحضارة عصر الإحياء الأوربي.

هذا وقد راعيت في سائر فصول هذه القصة الأندلسية المشجية، أن أسلك سبيل التبسط المعتدل، بعيداً عن الإيجاز المخل، بعيدا في الوقت نفسه عن الإسهاب والتفاصيل الكثيرة، إلا ما دعت إليه المناسبات الهامة أو المواقع الحاسمة، حريصا خلال ذلك كله على أن أبرز الحوادث والشخصيات والصور في إطارها النقدي، الذي تدعمه الوثائق والنصوص والقرائن، بعيدا كل البعد عن التأثر بالعاطفة أو الأهواء أو الاتجاهات القومية أو الدينية من أى نوع، وإني لأرجو أن أكون قد وفقت في ذلك، إلى تأدية رسالة الحق والصدق والاعتدال، في كتابة هذه الصفحات المشرقة المؤسية معا من تاريخ الأمة الأندلسية.

وقد حرصت إلى جانب تاريخ اسبانيا المسلمة، أن أكتب في نفس الوقت تاريخ اسبانيا النصرانية، فاستعرضت منذ البداية نشأة المملكة النصرانية الأولى، ثم تاريخ الممالك النصرانية اللاحقة، ثم تناولت تاريخها تباعا في عصورها المتعاقبة، وعنيت بعد ذلك بتتبع أحداث المعركة الأبدية المضطرمة، التي نشبت بين الأندلس المسلمة وبين هاته الممالك النصرانية، وهي التي غدت فيما بعد محور التاريخ الأندلسي

<<  <  ج: ص:  >  >>