الناصر والمنصور. المنصور يشق طريقه إلى السلطان. وسائله في ذلك. جيش المنصور وأهباته. شغفه بالجهاد. نتائج غزواته. الصوائف الإسلامية. عقمها وأثرها في إنهاك الجيوش الإسلامية. عبقرية المنصور الإدارية. استقرار الأمن والرخاء في عهده. وزراء المنصور وكتابه. أعماله الإنشائية. توسيعه للمسجد الجامع. تجديده لقنطرة قرطبة وإنشاؤه لقنطرة إستجة. جوده وبذله. مفاخرته بنشأته المتواضعة. صرامته في إقامة العدل. شغفه الشراب. براعته العلمية والأدبية. رعايتة للعلماء والأدباء. صاعد البغدادي شاعر المنصور. ديوان الندماء. مجالس المنصور الأدبية. شغفه بجمع الكتب. مقته للفلسفة والتنجيم. شعره ونثره. وصيته لابنه عبد الملك. وصيته لغلمانه. علائقه الدبلوماسية. مصاهرته لسانشو غرسية ملك نافار. وفود سانشو إلى الزاهرة. عبد الرحمن ولد المنصور وحفيد سانشو. إشادة الروايات الإسلامية بعظمة المنصور وخلاله. إشادة النقد الغربي بعبقريته السياسية والعسكرية.
كان المنصور بن أبي عامر عبقرية فذة، تمثل ذروة النبوغ الشعبي، والطموح الفردى؛ فقد خرج المنصور من صفوف الطبقة الوسطى، وشق طريقه بساعده وهمته إلى السلطان والرياسة، ولم تسعفه في ذلك نشأة ملوكية، أو انقلاب عنيف، ولم يكن عزمه في بلوغ ذلك أقل شأناً من تألق طالعه، وقد وصل المنصور إلى مرتبة من السلطان والقوة، لم يصل إليها أحد قبله من أعاظم أمراء الأندلس حتى ولا عبد الرحمن الناصر نفسه. ويمكننا أن نقول إنه إذا كان عهد الناصر ألمع صفحة في تاريخ اسبانيا المسلمة، من النواحي السياسية والحضارية، فإن عهد المنصور لا يقل عنه لمعاناً وتألقاً، بل ربما امتاز على عهد الناصر، بما أحرزته اسبانيا المسلمة خلاله، من تفوق عظيم في السلطان والقوى العسكرية، في شبه الجزيرة الإسبانية. فقد استطاعت إسبانيا النصرانية في عهد الناصر، أن تنتهز فرصة الفتن الداخلية بالأندلس، وأن توطد قواها العسكرية، وأن تغزو الأندلس غير مرة غزوات مخربة، وقد لقى الناصر على يد النصارى غير هزيمة فادحة، أما في عهد المنصور، فقد انتهت اسبانيا النصرانية إلى حالة يرثى لها من التفكك والضعف، واستمرت زهاء ثلث قرن تتلقى ضربات المسلمين الساحقة