الأوضاع العامة لشبه الجزيرة الأندلسية في عصر المرابطين والموحدين
كانت موقعة الزلاّقة (٤٧٩ هـ - ١٠٨٦ م)، موقعة الحسم، في مصاير اسبانيا المسلمة، سواء إزاء اسبانيا النصرانية، أو إزاء المرابطين. فقد انقشع الخطر الداهم الذي كان يهددها بالفناء العاجل، مذ سقطت طليطلة حصن الأندلس من الشمال في أيدى النصارى، وقد كتبت لها حياة جديدة. ولكن الزلاّقة، كانت من جهة أخرى نذيراً بأعظم تحول وقع في مصايرها منذ الفتح، ذلك أن المرابطين الذين قدموا إليها إخواناً في الدين، وأصدقاء مجاهدين منجدين، انقلبوا عقب الزلاّقة إلى أعداء فاتحين. وما كاد الموقف يتضح لعاهل المرابطين يوسف ابن تاشفين عقب النصر، وتبدو له دول الطوائف الأندلسية على حقيقتها، دويلات متخاذلة متنابذة، يسودها الإنحلال، ويقضم أسسها الترف والخور، حتى قرر أمره تجاه أمراء الطوائف. وسواء أكان هذا القرار قد أملته شهوة الفتح، ورغبة الاستيلاء على هذه البلاد الخضراء الغنية الساحرة، أم كان بقصد حمايتها من النصارى، والتحوط بذلك لسلامة المغرب، بصون جناحه الدفاعي من الشمال - الأندلس - فقد نفذ عاهل المرابطين قراره، واستولت جيوشه تباعاً على دول الطوائف، في فترة لا تتجاوز عشرين عاماً، فيما بين سنتي ٤٨٣ و٥٠٢ هـ (١٠٩٠ - ١١٠٩ م)، وذلك حسبما فصلناه من قبل في كتابنا " دول الطوائف ".
وأضحت الأندلس من ذلك الحين ولاية مغربية، تخضع لحكومة مرّاكش، وتحكمها القبائل البربرية المغربية، بعد أن كان المغرب قبل ذلك بنحو قرن فقط، ولاية أندلسية تخضع لخلافة قرطبة الأموية. ونحن نعرف أن البربر قد اضطلعوا في فتح الأندلس بأعظم قسط، ولكنهم لم ينالوا نصيبهم الحق، في حكم هذه البلاد الجديدة، وغلب سلطان العرب سادة البربر عند الفتح. وعلى الرغم من أن البربر كانت لهم ما بين آونة وأخرى، في ظل الدولة الأموية، بعض