دول الطوائف. المرابطون والموحدون. سياسة الإسترداد النصرانية. سقوط القواعد الأندلسية في يد النصارى. موجة الاسترداد الغامرة في القرن السابع. شعور أهل الأندلس بمصيرهم. مدينة غرناطة. صفتها أيام الدولة الإسلامية. ما بقى من خططها ومعالمها الأندلسية.
- ١ -
يقدم إلينا تاريخ الأندلس في مراحله الأولى، صفحات باهرات من ضروب المجد الحربى والسياسى، وآيات ساطعات من ضروب التمدن والعرفان. ولكنه يقدم إلينا في مراحله الأخيرة، صفحات مشجية مؤثرة من تقلب الجدود، وتعاقب المحن، والانحدار البطىء المؤلم، إلى معترك الهزيمة، والذلة والسقوط.
ولا تمثل قصة الأندلس، سوى الحقيقة التاريخية الخالدة. وليس مجرى التاريخ سوى تعاقب الأجيال والأمم، وتبدل الحضارات والدول. ولكن الصراع الطويل المضطرم، الذي خاضته الأمة الإسلامية في الأندلس، قبل أن تستسلم إلى قدرها المحتوم، يبدو فضلا عما يحف به من ألوان البطولة الخالدة، صفحة رائعة من الاستشهاد المؤثر، قلما يقدمها إلينا تاريخ أمة من الأمم، التي اشتهرت بالذود عن حياتها وحرياتها.
وقد سقطت قواعد الأندلس الشهيرة، في سلسلة من المعارك والمحن الطاحنة، التي تقلبت فيها الأمة الأندلسية، منذ انهار صرح الخلافة الأموية في الأندلس، في أواخر القرن الرابع الهجري، وقامت دول الطوائف الصغيرة المفككة، على أنقاض دولة عظيمة شامخة. وكان سقوط كل قاعدة من هذه القواعد الشهيرة التي كانت تسطع بمجتمعاتها وحضارتها الزاهرة، خلال حلك العصور الوسطى، يمثل ضربة مميتة للدولة الإسلامية في الأندلس، ويحدث أعمق صدى في جنبات الدول الإسلامية في الشرق والغرب، وينتزع من وحى النثر والنظم أروع المراثى. وكانت الأمة الأندلسية، كلما سقطت قاعدة من قواعدها الشهيرة، في يد عدوتها القديمة المتربصة بها - إسبانيا النصرانية - ألفت عزاءها في قواعدها الأخرى،