للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرابطية، قد تضخمت في تلك الأثناء، وعنى يوسف بتنظيمها، وتجهيزها بالرماة والعدة، والبنود والطبول، ويقال إنها بلغت يومئذ أكثر من مائة ألف فارس من قبائل صنهاجة، وجزولة، وزناتة، والمصامدة. وفي أواخر سنة ٤٥٤ هـ سار يوسف لافتتاح مدينة فاس، فتلقته قبائلها من زواغة ولماية ولواتة وصدينة ومغيلة ومديونة وغيرها، ووقعت بين الفريقين معارك شديدة، انهزمت فيها تلك القبائل، وامتنعت بصدينة، فاقتحمها يوسف، وقتل منها عدة آلاف.

ثم سار إلى فاس، ونازل أولا قلعة فازاز وهي من حصونها الأمامية، ثم زحف على فاس ذاتها، وبها صاحبها معنصر المغراوي، وافتتح حصونها تباعاً، ثم اقتحمها، وذلك في سنة ٤٥٥ هـ، واستعمل عليها عاملا من لمتونة. وسار بعد ذلك إلى بلاد غمارة، وغلب على كثير من نواحيها، حتى أشرف على طنجة.

وفي خلال ذلك عاد بنو معنصر المغراوي إلى فاس، فاقتحموها وقتلوا عامل يوسف، واحتلوها، واضطر يوسف أن يعود لمنازلتها، فسار إليها في جيش ضخم، وضرب حولها الحصار بشدة، ثم اقتحمها عنوة، وقتل بها كثيراً من مغراوة وبني يفرن، وذلك في أوائل سنة ٤٦٢ هـ (١٠٦٩ م).

- ٣ -

ويجب قبل أن نتم الكلام عن فتوح يوسف، أن نعطف على واقعة كان لها أثرها الحاسم في حياة يوسف، وفي مصاير دولة المرابطين، وذلك أن الأمير أبا بكر اللمتوني بعد أن نظم شئون الصحراء، وقضى في غزواته بضعة أعوام، نمى إليه ما وفق إليه ابن عمه يوسف من الفتوح العظيمة، ومن ضخامة السلطان واستقراره، فقرر أن يعود إلى المغرب ليسبر غور الأمور، وربما جال بخاطره أن يعزل يوسف، وأن يسترد هو سلطانه، باعتباره أمير المرابطين الشرعي.

ويقول لنا صاحب الحلل الموشية إن مقدم أبي بكر من الصحراء إلى المغرب كان في سنة ٤٦٥ هـ، وإنه نزل بمحلته خارج مدينة أغمات، فهرع صحبه إلى مراكش العاصمة الجديدة، لرؤيتها والسلام على يوسف، واستقبلهم يوسف بالترحاب، وأغدق عليهم الهدايا والصلات (١). وأدرك أبو بكر مبلغ ما انتهى إليه يوسف من الضخامة والتوطد، وما يتمتع به من المحبة والنفوذ بين طائفته، وأنه لم يبق


(١) الحلل الموشية ص ١٣ و ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>