للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في خطاب الفتح الرسمي الذي بعث به يوسف إلى المغرب (١). وهذه كلها أقوال تحمل طابع المبالغة بلا ريب، وإن كانت الرواية النصرانية تجمع على أن الموقعة كانت هائلة، وأن خسائر النصارى كانت فيها ذريعة فادحة. ولا ريب أيضاً أن خسائر المسلمين كانت عظيمة، وإن كانت أقل بكثير من خسائر النصارى، وليس من المعقول أن تقتصر على ثلاثة آلاف في مثل هذه الحشود الضخمة. ذلك أنه في معركة، يطبعها من الشدة والتفاني والحماسة الدينية، ما طبعت به موقعة الزلاّقة، لابد أن تكون الخسائر فيها فادحة من الجانبين، الظافر والمغلوب.

وذاعت أنباء النصر في الحال في سائر جنبات الأندلس، وطيرت إلى سائر القواعد الأندلسية. واستبشر المسلمون في شبه الجزيرة بما آتاهم الله من عزيز نصره. وكتب يوسف بأنباء الواقعة أو بالفتح حسبما يوسم خطابه إلى بلاد العدوة، وكتب رسالته المسهبة عن الموقعة وأوصافها إلى المعز بن باديس صاحب إفريقية، وهي التي أشرنا إليها فيما تقدم غير مرة. وتجاوبت أصداء النصر في سائر مدن المغرب وإفريقية، وعم الفرح والبشر سائر الناس، فأخرجوا الصدقات، وأعتقوا الرقاب. وقيل إن يوسف اتخذ لقبه " أمير المسلمين " عقب نصر الزلاّقة (٢) وأن أمراء الأندلس، حينما هنأوه بالنصر أسبغوا عليه هذا اللقب، ولكنا رأينا فيما تقدم، أنه اتخذ هذا اللقب بالمغرب قبل ذلك بأعوام عديدة. بيد أنه مما يلفت النظر أن أمير المسلمين وحلفاءه الأندلسيين، لم يحاولوا استغلال نصرهم بمطاردة العدو داخل بلاده، والزحف إلى أراضي قشتالة، بل ولم يحاولوا السير إلى طليطلة لاستردادها، وهي كانت معقد المحنة التي دفعت ملوك الطوائف إلى الاستغاثة بالمرابطين. ولو بذل المرابطون هذه المحاولة في الوقت الذي حطم فيه جيش قشتالة وفتحت حدودها، لكللت بالنجاح بلا ريب.

وقد قيل لنا في ذلك إن ابن عباد نصح لأمير المسلمين بمطاردة ملك قشتالة والقضاء على فلوله، فاعتذر يوسف عن ذلك بحجة أنه يجب انتظار ورود


(١) روض القرطاس ص ٩٦ و ٩٧. وراجع أيضاً أقوال الروايات الإسلامية الأخرى عن خسائر النصارى في الموقعة، في ابن خلكان ج ٢ ص ٤٨٤، ونفح الطيب ج ٢ ص ٥٣١، وابن الأثير ج ١٠ ص ٥٣.
(٢) روض القرطاس ص ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>