للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرنج كلها رعباً لاقتراب جموع المسلمين، وهرع الفرنج إلى ملكهم قلدوس في طلب الغوث، وأخبروه بما يأتيه الفرسان المسلمون من العيث والسفك، وكأنهم في كل مكان، وكيف أنهم أحتلوا واجتاحوا كل أقاليم أربونة وتولوشة وبردال (١) وقتلوا الكونت. فهدأ الملك روعهم ووعدهم بالغوث العاجل. وفي سنة ١١٤هـ سار على رأس جموع لاتحصى للقاء المسلمين. وكان المسلمون قد اقتربوا عندئذ من مدينة تور، وهنالك علم عبد الرحمن بأمر الجيش العظيم الذي سيلقى. وكان جيشه قد دب إليه الخلل، لأنه كان مثقلا بالغنائم من كل ضرب. ورأى عبد الرحمن وأولوا الحزم من زملائه, أن يحملوا الجند على ترك هذه الأثقال، والاقتصار على أسلحتهم وخيولهم، ولكن خشوا التمرد أو أن يثبطوا عزائم الجند، واستسلموا لرأي الواثقين المستهترين. واعتمد عبد الرحمن على شجاعة جنده، وحسن طالعه المستمر. ولكن الأضطراب خطر خالد على سلامة الجيوش. نعم إن الجند يحملهم ظمأ الغنم، قد أتوا جهوداً لم يسمع بها، فطوقوا مدينة تور، وقاتلوا حصونها بشدة رائعة، حتى سقطت في أيديهم أمام أعين الجيش القادم لإنقاذها، وانقض المسلمون على أهلها كالضواري المفترسة، وأمعنوا القتل فيهم. قالوا، ولعل الله أراد أن يعاقب المسلمين على تلك الآثام، وكان طالعهم قد ولى.

" وعلى ضفاف نهر " الأوار " (اللوار) اصطف رجال اللغتين، والتقى المسلمون والنصارى، وكلاهما جزع من الآخر، وكان عبد الرحمن ثقة منه بظفره المستمر، هو البادئ بالهجوم، فانقض بفرسانه على الفرنج بشدة، وقابله الفرنج بالمثل. ودامت المعركة ذريعة مروعة طوال اليوم حتى جن الليل. وفرق بين الجيشين. وفي اليوم التالي استؤنف القتال منذ الفجر بشدة، وشق بعض مقدمي المسلمين طريقهم إلى صفوف العدو وتوغلوا فيها. ولكن عبد الرحمن لاحظ والمعركة في أوج اضطرامها، أن جماعة كبيرة من فرسانه، غادرت الميدان بسرعة لحماية الغنائم المكدسة في المعسكر العربي، لأن العدو أخذ يهددها. فأحدثت هذه الحركة خللا في صفوف المسلمين، وخشي عبد الرحمن عاقبة هذا الاضطراب، فأخذ يثب من صف إلى صف يحث جنوده على القتال، ولكنه ما لبث أن أدرك أنه يستحيل عليه ضبطهم، فارتد يحارب مع أشجع جنده حيثما استقرت المعركة،


(١) مدينة بوردو.

<<  <  ج: ص:  >  >>