للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد أن ترك جيشاً مرابطياً من أربعة آلاف فارس تحت إمرة داود بن عائشة ليعمل في منطقة مرسية وبلنسية، وتحرك أمراء الأندلس كل إلى بلده، وسار يوسف إلى ألمرية فالجزيرة، ثم عبر البحر عائداً إلى المغرب، وقد تغيرت نفسه على أمراء الأندلس (١).

- ٢ -

ولم يمض عام آخر، حتى أعد يوسف بن تاشفين عدته، للجواز إلى شبه الجزيرة للمرة الثالثة، وكان ذلك في أوائل سنة ٤٨٣ هـ (١٠٩٠ م). ولم يكن جوازه في تلك المرة تلبية لدعوة أو استغاثة من أحد، من أمراء الأندلس، كما حدث في المرتين السابقتين، ولكنه عبر عندئذ إلى شبه الجزيرة، وقد انتهى إلى قرار بالغ الخطورة، هو الاستيلاء على الأندلس.

وقد اختلفت الروايات في تصوير البواعث، التي حملت يوسف على اتخاذ هذا القرار. بيد أنه يبدو على ضوء مختلف الروايات، أن يوسف قد تأثر منذ البداية بما شهده من اختلال أحوال أمراء الطوائف، وضعف عقيدتهم الدينية، وانهماكهم في مجالي الترف والعيش الناعم، وما يقتضيه ذلك من إرهاق لشعوبهم بالمغارم الجائرة، وأدرك أن هذه الحياة الناعمة، التي انغمس فيها رؤساء الأندلس وشعوبهم اقتداء بهم، هي التي قوضت منعتهم، وفتت في رجولتهم وعزائمهم، وأضعفت هممهم عن متابعة الجهاد، ومدافعة العدو المتربص بهم، وأن الشقاق الذي استحكم بينهم، ولم ينقطع بعد الزلاقة، سوف يقضي عليهم جميعاً، إذا تركت الأمور في مجراها، وسوف يمهد لاستيلاء النصارى على جميع أنحاء شبه الجزيرة في أقرب وقت. ومن ثم فقد اعتزم أمير المسلمين أمره نحو الأندلس ونحو أمرائها العابثين المترفين (٢).

ذلك هو التصوير العام، للبواعث التي حملت يوسف بن تاشفين، على افتتاح ممالك الطوائف الأندلسية، بيد أنه توجد إلى جانب ذلك بواعث معينة أخرى، منها أن ملوك الطوائف لما شعروا بتغير يوسف عليهم، توافقوا على


(١) راجع روض القرطاس ص ٩٨ و ٩٩، والحلل الموشية ص ٤٧ - ٥٠. وراجع: Dozy: Histoire, V.III.p. ١٣٩ & ١٤٠، وكذلك R.M.Pidal: ibid ; p. ٣٦٤ & ٣٦٥.
(٢) راجع المراكشي في المعجب ص ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>