للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ١ -

الخواص السياسية

الآن وقد انتهينا من أخبار ممالك الطوائف، واستعراض الأحداث التي مرت بها، منذ إنشائها حتى سقوطها، وتقديم زعمائها وملوكها، في صورهم السياسية والأدبية، ووصف قصورهم وخططهم، نرى لزاماً علينا أن نستعرض خواص هذه الحقبة من تاريخ اسبانيا المسلمة، وهي حقبة فياضة بالأحداث والمحن المثيرة، وأن نستعرض خواص مجتمع الطوائف، وأحواله المادية والأدبية والاجتماعية.

لقد شغل عصر الطوائف من حياة الأمة الأندلسية نحو ثمانين عاماً، وكان عصر تفكك وانحلال سياسي واجتماعي شامل، بالرغم مما كان يبدو في بعض نواحيه من جوانب براقة. والواقع أن هذه الدول الصغيرة، التي قامت على أنقاض الأندلس الكبرى، والتي كانت تتسم بسمة الملك، وتزعم لنفسها الاستقلال بشئونها، كانت تنقصها من الناحية النظامية، عناصر الدولة المستقرة، ولم تكن - إذا استثنينا القليل منها - سواء برقاعها الإقليمة، ومواردها المادية، تستطيع الحياة بمفردها، أو تستطيع الاستقلال بشئونها السياسية أو العسكرية، وإنما كانت دول الطوائف أقرب منها إلى وحدات الإقطاع، وإلى عصبة الأسرة القوية ذات العصبية، أو الجماعة القبلية في حالة الإمارات البربرية، ومن ثم فإنه لم تكن بها حكومات منظمة بالمعنى الصحيح، تكون مهمتها الأساسية، أن تعمل لخير الشعب ورخائه، وصون الأمن والنظام، وإنما كانت بها أسر أو زعامات، تعمل قبل كل شىء لمصلحتها الخاصة، ولرفعة شأنها، وتنمية ثرواتها، وتدعيم سلطانها وبذخها. وكان الشعب في ظل هذه الأسر أو الزعامات القوية، لا حساب له، وليس عليه إلا أن يخضع لما يفرض عليه من مختلف المغارم والفروض، التي يستخدمها الأمير لإقامة بلاطه الفخم أولا، ثم لحشد الجند الذين هم سياج ملكه

<<  <  ج: ص:  >  >>