للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاختلاس، وعزل الحكام الظلمة وألقاهم في غيابة السجن، وأقام مكانهم جماعة من ذوى الحزم والنزاهة، وأنشأ كثيرا من المدارس والمساجد. فاستقرت الأحوال وخبت الفتنة، وتراضت القبائل. واعتزم عقبة في الوقت نفسه أن يعيد عهد الجهاد والفتوح العظيمة، وأن يوطد سلطان الإسلام في الولايات الشمالية، وفي غاليس (فرنسا). فنظم الجيش وزاد في قواته وأهبته، وغزا جليقية وتوغل فيها، واستولى على كثير من مواقعها، ولكنه لم يستطع أن يسحق بقية النصارى التي اجتمعت حول الزعيم القوطي بلاي (أو بلايو)، وما زالت معتصمة بأقاصي

الجبال في شعب عرفت لمنعتها " بالصخرة "، متحدية كل أمير وقائد مسلم (١). وحصن عقبة جميع المواقع الإسلامية على ضفاف نهر الرون، واتخذ ثغر أربونة قاعدة للجهاد والغزو، فحصنها وبعث إليها بالجند والمؤن والذخائر. وتقول الرواية الإسلامية إن عقبة لبث طوال حكمه الذي امتد خمسة أعوام مثابرا على الجهاد والغزو، وأنه كان يخرج للغزو كل عام، حتى عاد نهر الرون رباط المسلمين أو معقل فتوحاتهم (٢)، بعد أن كان الفرنج قد استردوا ما بيد المسلمين في تلك الأنحاء. ولا تفصل الرواية الإسلامية حوادث هذه الغزوات، ولكن الروايات الفرنجية المعاصرة تلقى عليها شيئا من الضياء، وإليك ملخص الغزوات الإسلامية في غاليس في تلك الفترة حسبما تقصه علينا تلك الروايات:

رأى الفرنج على أثر ما أصاب المسلمين في بلاط الشهداء، أن الفرصة قد سنحت لإخراجهم من فرنسا. ولكن كارل مارتل شغل حينا بمحاربة القبائل الوثنية فيما وراء الرّين، في فريزيا وسكسونية، وشغل أودو برد العرب حينما غزوا أكوتين مرة أخرى بقيادة ابن قطن. ثم توفي أودو في العام التالي (سنة ٧٣٥ م)، وتخلص كارل مارتل بذلك من منافسه القوي، وبادر إلى غزو أكوتين ودخل بوردو عاصمتها، وأقام هونالد ولد أودو دوقا مكان أبيه، على أن تكون أكوتين تابعة للمملكة الفرنجية. وفي تلك الأئناء ولي الأندلس عقبة بن الحجاج، وأخذ ينظم الأهبة لاسترداد الثغور الإسلامية الشمالية. وفي سنة ٧٣٥ م (١١٧هـ) غزا العرب مدينة آرل للمرة الثانية، بقيادة عبد الرحمن بن علقمة اللخمي والي


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ٢٩.
(٢) المقري ج ٢ ص ٥٨؛ والبيان المغرب ج ٢ ص ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>