للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك من أعظم علماء الأندلس وكتابها أيام الطوائف، ويشيد معاصره ابن بسام حسبما تقدم بذكره وذكر أدبه في الذخيرة، وينوه بجمال رسائله وروعتها. وقد وقفنا على نص صك من إنشائه بتقديم صاحب أحكام على بعض جهات مرسية أيام رياسته لها يقول فيه: " قلدت فلاناً وفقه الله النظر في أحكام فلانة، وتخيرته لها بعد ما خبرته، واستخلفته واثقاً بدينه، راجياً لتحصنه، لأنه احتاط فعلم، وإن أضاع فأثم، فليقم الحق على أركانه، وليضع العدل، وليسر بين خصومه، وليأخذ من الظالم لمظلومه، فعف في الحكم عند اشتباهه، وبعده عند اتجاهه، ولا تقبل غير المرضي في شهادته، ولا تعرف سوى الاشتغال من علاته، ولتعلم أن الله مطلع على خفياته، وسلام يوم علاماته " (١).

هذا وقد كان عصر الطوائف، فضلا عن هذه النهضة الأدبية والفكرية الشاملة، يمتاز كذلك بازدهار الدراسات العلمية الممتازة. وقد نبغت فيه طائفة من أكابر الرياضيين والفلكيين، الذين كانت بحوثهم فيما بعد مستقى خصباً لاقتباس الغرب. وكان من هؤلاء أبو اسحق ابن ابراهيم بن يحيى الزرقالي القرطبي صاحب الجداول الفلكية الشهيرة أصله من طليطلة، ويعرف في الغرب باسم Azarquiel وقد ذاعت جداوله الفلكية، ذيوعاً عظيماً، وكانت في كثير من المواطن أصح من غيرها من الجداول القديمة، وتوفي الزرقالي سنة ٤٨٠ هـ (١٠٨٧ م). وأبو القاسم أصبغ بن السمح الغرناطي المتوفى سنة ٤٣٨ هـ (١٠٣٨ م)، وكان بارعاً في الهندسة والفلك، وله كتب قيمة في الهندسة وزيج فلكي. وأبو الوليد هشام الوقشي، وكان أبرع علماء عصره في الهندسة والفلسفة والنحو واللغة، وتلميذه أبو القاسم سعيد بن أحمد الطليطلي صاحب كتاب " طبقات الأمم " وهو تاريخ للعلوم. وقد كانت الجداول الفلكية التي وضعها أولئك العلماء المسلمون فيما بعد، أقيم مرجع لألفونسو ملك قشتالة في اقتباس جداوله. وقد اشتهر ألفونسو العالم بالأخص باعتماده على مصادر العلوم الأندلسية، ولاسيما في عصر الطوائف، واقتباسه تقاليد العلماء الأندلسيين في هذا العصر، الذي سبقه بنحو قرنين. وكانت سرقسطة، وطليطلة، وقرطبة، من أعظم مراكز


(١) أورده ابن عبد الملك في " الذيل والتكملة " - الجزء الرابع من مخطوط المكتبة الوطنية بباريس.

<<  <  ج: ص:  >  >>