الوزير أحمد بن عباس وزير زهير العامري، فضلا عن علمه الغزير، من أعظم هواة الكتب، ويقال إن مكتبته العظيمة كانت تضم أربعمائة ألف مجلد. واشتهرت بطليوس في ظل بني الأفطس بتقدمها العلمي والثقافي. وكذا كانت طليطلة في ظل بني ذى النون مركزاً عظيماً للبحوث العلمية. واشتهر بنو ذى النون كذلك بجمع الكتب، وكانت لديهم مكتبة عظيمة. وكانت توجد غير المكتبات الملكية، مكتبات كثيرة أخرى خاصة وعامة، في سائر القواعد الأندلسية. وكان لهذه الثروات المكتبية، تأثيرها بلا ريب، في تقدم الحركة الفكرية والثقافية، في عهد الطوائف (١).
وقد امتدت هذة النهضة الفكرية والأدبية التي ازدهرت في عصر الطوائف إلى عهد المرابطين. وقد كان أولئك المرابطون يتسمون بالخشونة والبداوة، ويضطرمون بالأفكار الرجعية العتيقة، ويمقتون مظاهر الحضارة الأندلسية الرفيعة، فركدت في ظلهم دولة التفكير والأدب، وانفرط عقد الحلقات الأدبية الزاهرة، التي كانت تحفل بها قصور الطوائف، ومع ذلك فقد بزغت في عهدهم بعض أضواء مستمدة من تراث عصر الطوائف، وظهرت فيه عدة من الشخصيات اللامعة، مثل أبي القاسم خلف بن عباس القرطبي الطبيب الأشهر المتوفى سنة ٥١٦ هـ (١١٢٢ م)، وابن باجّة الطبيب الفيلسوف المتوفى سنة ٥٣٣ هـ (١١٣٩ م).
وأبو بكر الطرطوشي المتوفى سنة ٥٢٠ هـ (١١٢٦ م)، والفتح بن خاقان المتوفى سنة ٥٣٥ هـ (١١٤٠ م)، وابن بسام الشنتريني المتوفى سنة ٥٤٢ هـ (١١٤٧ م).
بيد أن ظهور هؤلاء العلماء والأدباء الأعلام في هذه الفترة لم يكن إلا أثراً من آثار النهضة الفكرية في عصر الطوائف.
* * *
وقد حظى عصر الطوائف، بعدة من أكابر العلماء والأدباء والمؤرخين الذين عنوا بتاريخه وتدوين حوادثه وخواصه، وتاريخ أعلامه. وفي مقدمة هؤلاء الفيلسوف ابن حزم. وبالرغم من أن ابن حزم لم يكن مؤرخا ًبالمعنى الصحيح لعصر
(١) راجع في ذلك فصلا للأستاذ خوليان ربيرا عنوانه: Bibliofilos y Bibliotecas في كتابه Disertaciones y Opusculos en la Espana Musulmana. وراجع الإحاطة لابن الخطيب (القاهرة ١٩٥٦)، ج ١ ص ٢٦٧.