وكما ازدهرت العلوم والآداب في عصر الطوائف، فكذلك ازدهرت الفنون والصناعات، وكانت قصور الطوائف مثوى للفنون الجميلة، ومظهراً حياً لكل ما تمخض عنه ذلك العصر من زخرف وترف وإناقة، وكانت بالأخص منتديات زاهرة للموسيقى، وما يتبعها من الغناء. وكان معظم أمراء الطوائف من عشاق الموسيقى يتنافسون في اقتناء القينات الحسان البارعات في العزف والغناء، ويبذلون في ذلك الأموال الطائلة، حتى لقد بذل أحدهم، وهو هذيل بن رزين صاحب شنتمرية الشرق ثلاثة آلاف دينار ثمناً لإحدى هؤلاء القينات، وكان في قصورهم منهن أسراب وأسراب، ولاسيما في قصور بني عباد بإشبيلية، وبني ذى النون بطليطلة، وكان المعتضد بن عباد يعشق الموسيقى، ويصحب الموسيقيين معه أثناء حملاته الحربية.
وكذلك ازدهرت الزراعة بالأندلس في عصر الطوائف. ونحن نعرف ما امتاز به أهل الأندلس من البراعة في الفنون الزراعية، وكيف حولوا وديان الأندلس إلى مهاد ورياض نضرة، وكيف اتخذت فنون الزراعة على أيديهم طابعاً علمياً واضحاً. وقد كان أهل الأندلس في الواقع من أنبغ الشعوب في فلاحة الأرض وتربية الماشية، وغرس الحدائق. وتنظيم طرق الري والصرف، ومعرفة أحوال الجو، وكل ما يتعلق بفنون الزراعة وخواص النبات، وكانت مزارعهم وحدائقهم، مضرب الأمثال في الجودة والتنسيق والنماء. ويرجع ازدهار الزراعة في عصر الطوائف إلى شغف ملوك الطوائف بإنشاء الحدائق والبساتين اليانعة، وتربية الغراس والزهور النادرة. وقد ظهر في عصر الطوائف، عدد من علماء النبات
(١) نشرت رسالة ابن عبدون في القضاء والحسبة ضمن مجموعة تتضمن ثلاث رسائل في الحسبة، نشرت بعناية الأستاذ ليفي بروفنسال، وصدرت ضمن مطبوعات المعهد الفرنسي للآثار بالقاهرة.